تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} 1, وهذا من صفات الكمال, وينبغي للإنسان أن يسعى ليتشبه بصفات الكمال في أي ميدان من ميادين العمل في العلم والصناعة والتجارة وما إلى ذلك, ولا شك أن هذا السعي وراء الكمال في العمل يؤدي إلى تقدم الحضارة, فإذا سعى أهل العلم للإتقان في العمل تقدم العلم، وإذا سعى أهل الصناعة لإتقان الصناعة تقدمت الصناعة, ولو سعى الموظفون لآداء أعمالهم في أكمل صورة لانتظمت أمور الدولة, ولو أتقن المعلمون التعليم وأتقن المتعلمون التعلم لتقدم العلم.
وهكذا نجد أن الأخلاق الإسلامية تدفع بطبيعتها إلى الكمال والتكامل في البناء الاجتماعي الذي يقوم على توطيد العلاقات الإنسانية بين الناس على أساس الإيمان والإخلاص, ثم إلى التكامل في ميدان العمل والصناعة والمعرفة, وكلا التكاملين ضرورة لا بد منها لإيجاد حياة إنسانية سعيدة, من أجل ذلك كله كان الإسلام ضياء ونورا يضيء أمام الإنسان ويهديه إلى طريق السعادة, وصدق الله العظيم إذ يقول: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 2, ولهذا كان منهاج الإسلام في الحياة هدى الله, فمن اتبع هداه فلا يضل ولا يشقى {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} 3.
وعلى ذلك لو عملت الأمة بروح الأخلاق الإسلامية لأصبحت أرقى الأمم وأسعدها من جميع النوحي؛ لأنها تدعو كل فرد إلى أن يكون إنسانا خيرا عالما فاضلا, ولا يمكن أن تتقدم أمة إلا بذلك, ولذلك كانت الأخلاق الإسلامية ضرورة وغاية في الأهمية لدفعها الناس إلى الأفضل والأكمل.