فاتحة طبعة سنة 1942:

الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله الذي بعثه الله بشريعة محكمة حنيفية سمحة، أساسها اليسر بالناس ورفع الحرج عنهم، وغايتها تحقيق مصالحهم والعدل بينهم، وعلى آله وصحبه الذي خلفوه في حراسة شريعته، وهداية أمته، وكانوا تماما لنوره، ودعاة إلى هداه.

أما بعد: فإن المجتهدين من أئمة المسلمين بذلوا أقصى جهودهم العقلية في استمداد الأحكام الشرعية من مصادرها، واستخرجوا من نصوص الشريعة وروحها ومعقولها كنوزا تشريعية ثمينة، كفلت مصالح المسلمين على اختلاف أجناسهم ونظمهم ومعاملاتهم، ولم تضق بحاجة من حاجتهم، بل كان فيها تشريع لأقضية لم تحدث، ووقائع فرضية، وهذه موسوعات الفقه آيات تنطق بما بذلوه من جهد، وما كان حليفهم من توفيق.

ولم يكتفوا بما استمدوه من أحكام وما سنوه من قوانين، بل عنوا بوضع قواعد للاستمداد، وقوانين لاستنباط، وكونوا من مجموعة هذه القواعد علم أصول الفقه، وكأنهم رحمهم الله بصنيعهم هذا أشاروا إلى خلفهم ألا يركنوا إلى اجتهادهم، وأن يجتهدوا كما اجتهدوا، وبينوا كما بنوا، فإن الأقضية تحدث والمصالح تتغير ومصادر الشريعة معين لا ينضب ومنهل عذب لكل وارد، وفضل الله يؤتيه من يشاء.

وهذا كتابي في علم أصول الفقه قصدت به إحياء هذا العلم، وإلقاء الضوء على بحوثه، وراعيت في عباراته الإيجاز والإيضاح، وفي بحوثه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015