الطبقة الأولى: أهل الاجتهاد في المذهب:
وهؤلاء لا يجتهدون في الشرع اجتهادًا مطلقًا، وإنما يجتهدون في الوقائع على أصول الاجتهاد التي قررها أئمتهم، وقد يخالف الواحد منهم مذهب زعيمه في بعض الأحكام الفرعية، ومن هؤلاء الحسن بن زياد في الحنفية، وابن القاسم وأشهب في المالكية، والبويطي والمازني في الشافعية، فهؤلاء قادرون على استمداد الأحكام الشرعية من مصادرها الأولى، ولكنهم ألزموا أنفسهم أن يكون استمدادهم على وفاق استمداد أئمتهم وأساسهم هو أساسهم. ومن الخطأ أن يعد من هذه الطبقة أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وزفر أصحاب أبي حنيفة؛ لأن هؤلاء من أهل الاجتهاد المطلق في الشرع، ولهم آراء مستقلة ومنزلتهم من أبي حنيفة منزلة الشافعي من مالك، ومنزلة أحمد من الشافعي إلا أنهم مزجوا مذهبهم بمذهب زعيمهم، وأطلق على مجموعها اسمه، ولو أراد كل واحد منهم لكان له مذهب مستقل.
الطبقة الثانية: أهل الاجتهاد في المسائل التي لا رواية فيها عن إمام المذهب
وهؤلاء لا يخالفون الأئمة في أحكام فرعية ولا في أصول اجتهادية، وإنما يستنبطون أحكام المسائل التي لا رواية فيها حسب أصول أئمتهم، وبالقياس على فروعهم كالخصاف، والطحاوي، والكرخي من الحنفية، واللخمي وابن العربي وابن رشيد من المالكية، وأبي حامد الغزالي وأبي إسحاق الإسفراييني من الشافعية.
الطبقة الثالثة: أهل التخريج:
وهؤلاء لا يجتهدون في استنباط أحكام المسائل. ولكنهم لإحاطتهم بأصول المذهب ومأخذه يستخرجون علل أحكامه ومبادئها، وبهذا يقتصرون على تفسير قول مجمل من أقوال أئمتهم أو تعيين وجه معين لحكم يحتمل وجهين. فإليهم المرجع في إزالة الخفاء والغموض الذي يوجد في بعض أقوال الأئمة، وأحكامهم كالجصاص وأضرابه من علماء الحنفية.