الحمد لله على نعمة التوفيق، والصلاة والسلام على رسول الله الهادي إلى أقوم طريق، وعلى آله وصحبه ومن صار على نهجه واهتدى بهداه.
أما بعد: فإن التشريع الإسلامي قد مر بأطوار ثلاثة في عهود متقاربة، فقد نشأ وتكون، ثم نما ونضج، ثم وقف وجمد. وقد عنيت بدراسة هذا التشريع في أطواره الثلاثة، والوقوف على أسراره، وتطوره، وأسباب اختلاف الأئمة المجتهدين، وتكون مذاهبهم، والعوامل التي أوقفت هذه الحركة، وحالت دون نماء هذه الثروة، وما يلوح في عصرنا الحاضر من بوادر النهوض والنشاط. وها هي ذي خلاصة دراستي، أسأل الله أن يحقق بها ما أرجوه من نفع وخير.
التشريع في الاصطلاح الشرعي والقانوني هو: سن القوانين التي تعرف منها الأحكام لأعمال المكلفين وما يحدث لهم من الأقضية والحوادث، فإن كان مصدر هذا التشريع هو الله سبحانه بواسطة رسله وكتبه فهو التشريع الإلهي، وإن كان مصدره الناس سواء أكانوا أفرادًا أم جماعات، فهو التشريع الوضعي، والقوانين الإسلامية نوعان: قوانين سنها الله سبحانه بآيات قرآنية، وألهمها رسوله وأقره عليها، وهذه تشريع إلهي محض، وقوانين سنها مجتهدو المسلمين من الصحابة وتابعيهم والأئمة المجتهدين استنباطا من نصوص التشريع الإلهي وروحها ومعقولها ومما أرشدت إليه من مصادر، وهذه تعتبر تشريعا إلهيا باعتبار مرجعها ومصدرها، وتعتبر تشريعا وضعيا باعتبار جهود المجتهدين في استمدادها واستنباطها.
ومرادنا بالتشريع الإسلامي سن هذه القوانين نوعيها، ولهذا قسمنا العهود التشريعية الإسلامية أربعة أقسام:
الأول عهد الرسول: وهو عهد الإنشاء والتكوين، ومدته "22"سنة وأشهر من بعثته سنة 610 إلى وفاته سنة 632م.
الثاني عهد الصحابة: وهو عهد التفسير والتكميل، ومدته 90 سنة بالتقريب من وفاة الرسول سنة 11 هجرية إلى أواخر القرن الهجري الأول.
الثالث عهد التدوين: والأئمة المجتهدين، وعهد النمو والنضج التشريعي، ومدته 250 سنة من سنة 100 إلى سنة 350 هجرية.
الرابع عهد التقليد: وهو عهد الجمود والوقوف، وقد ابتدأ من أواسط القرن الهجري الرابع ولا يعلم نهايته إلا الله.