"إذا تعارض النصان ظاهرا وجب البحث والاجتهاد في الجمع والتوفيق بينهما بطريق صحيح من طرق الجمع والتوفيق، فإن لم يمكن وجب البحث والاجتهاد في ترجيح أحدهما بطريق الترجيح، فإن لم يمكن هذا ولا ذاك وعلم تاريخ ورودهما كان اللاحق منهما ناسخا للسابق، وإن لم يعلم تاريخ ورودهما توقف عن العمل بهما.
وإذا تعارض قياسان أو دليلان من غير النصوص، ولم يمكن ترجيح أحدهما عدل عن الاستدلال بهما".
التعارض بين الأمرين معناه في اللغة العربية اعتراض كل واحد منها الآخر. والتعارض بين الدليلين الشرعيين معناه في اصطلاح الأصوليين اقتضاء كل واحد منهما في وقت واحد حكما في الواقعة يخالف ما يقتضيه الدليل الآخر فيها.
مثلا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} ، هذا النص يقتضي بعمومه أن كل من توفي عنها زوجها تنقضي عدتها بأربعة أشهر وعشرة أيام، سواء أكانت حاملًا أم غير حامل.
وقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} هذا النص يقتضي بعمومه أن كل حامل تنقضي عدتها بوضع حملها، سواء كانت متوفى عنها زوجها أم مطلقة.
فمن توفي عنها زوجها وهي حامل، واقعة يقتضي النص الأول أن تنقضي عدتها بتربص أربعة أشهر وعشرة أيام، ويقتضي النص الثاني أن تنقضي عدتها بوضع حملها، فالنصان متعارضان في هذه الواقعة.
ولا يتحقق التعارض بين دليلين شرعيين إلا إذا كانا في قوة واحدة، أما إذا كان أحد الدليلين أقوى من الآخر، فإنه يتبع الحكم الذي يقتضيه الدليل الأقوى، ولا يلتفت لخلافه الذي يقتضيه الدليل الآخر. وعلى هذا لا يتحقق التعارض بين نص قطعي وبين نص ظني، ولايتحقق التعارض بين نص وبين إجماع أو قياس، ولا بين إجماع وبين قياس، ويمكن التعارض بين آيتين أو حديثين متواترين أو بين آية، وحديث متواتر أو حديثين غير متواترين، أو بين قياسين.