العبوة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وفي أن العطف يقتضي المغايرة، وأن الأمر المطلق يقتضي الإيجاب، غير ذلك من ضوابط فهم النصوص، واستثمار الأحكام منها؛ كما تراعى في فهم النصوص الشرعية، تراعى في فهم نصوص القانون المدني والتجاري، وقانون المرافعات والعقوبات وغيرها من قوانين الدولة الموضوعة باللغة العربية طبقا للمادة 149 من الدستور "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية".
ولا يقال: إن بعض هذه القوانين معربة عن أصل فرنسي، وواضع الأصل ما عرف أساليب اللغة العربية في الفهم، ولا قصد أن تفهم مواده على وفقها؛ لأننا نقول: إن القانون الذي كلفنا به صيغ باللغة العربية واعتبر صادرا عمن يفهم الأساليب العربية، ولا يستقيم التكليف به إلا إذا قصد فهمه على وفق أساليب اللغة التي صيغ بها، ولا عبرة بأساليب اللغة التي نقل عنها، وعلى هذا إذا تعارض النص العربي وأصله الفرنسي، ولم يمكن التوفيق بينهما يعمل بمقتضى النص العربي؛ لأن الناس لا يكلفون إلا بما يفهمون وهو ما نشر بينهم1.
نعم إذا كان النص العربي يحتمل أن يفهم على وجهين، وألفاظه تحتمل الدلالة على معنيين، ساغ الاستدلال بالأصل الفرنسي على ترجيح أحد المعنيين واختيار أحد الوجهين، كما يستدل على هذا بأية قرينة. وإذا كان في أصول القانون الوضعي أو في العرف التجاري اصطلاح خاص بدلالة بعض الأساليب على أحكام، أو بدلالة بعض الألفاظ على معان، أو بإزالة بعض أنواع الخفاء بطرق خاصة، يتبع في فهم مواد القانون ما يقضي به الاصطلاح والعرف القانونيات، لا ما تقضي به الأوضاع اللغوية.
ولهذا قرر علماء أصول الفقه أن الألفاظ التي استعملت في معان عرفية شرعية، كالصلاة والزكاة والطلاق تفهم في النصوص بمعانيها العرفية لا بمعانيها اللغوية؛ لأن المقنن يراعي في تعبيره عرفه الخاص، فإذا لم يكن له عرف خاص يراعي العرف اللغوي العام.