علل النحو (صفحة 283)

(كأنا يَوْم قرى إِ ... نما نقْتل إيانا)

قيل لَهُ: إِن الشَّاعِر إِنَّمَا أَرَادَ: نقْتل أَنْفُسنَا، فَلَمَّا رأى (إيانا) تقوم مقَام النَّفس فِي الْمَعْنى، فعلى ذَلِك جَازَ على طَرِيق الِاسْتِعَارَة.

فَإِن قيل: كَيفَ جَازَ إِضَافَة الْمُضمر؟

قيل لَهُ: إِن (إيا) لما كَانَت لَا تنْتَقل من الْإِضَافَة، وَلَا يحصل لَهَا معنى بانفرادها، وَلم تقع قطّ إِلَّا معرفَة، فتحتاج إِلَى التنكير، وخالفت فِي موضعهَا سَائِر الْمُضْمرَات، جَازَ أَن تخص بِالْإِضَافَة، عوضا مِمَّا منعته. وَإِنَّمَا جَازَ كسرهَا فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ كَرَاهَة لخروجهم من الْكسر إِلَى الضَّم، إِذْ كَانَ ذَلِك لَا يُوجد فِي أبنيتهم لَازِما، وَلِأَن الْكسر من الْيَاء، فَاخْتَارُوا فِي الْيَاء أَيْضا مَا اخْتَارُوا مَعَ الْكسر، وَجَاز الضَّم على الأَصْل، إِذْ لَيْسَ بِلَازِم للهاء، لِأَنَّهُ قد يكون مَا قبلهَا مضموما ومفتوحا.

وَأما ضمير الْغَائِب الْمُتَّصِل، الْمَنْصُوب وَالْمَرْفُوع، فأصله الضَّم، كَقَوْلِك: رَأَيْته، وَجَاءَنِي غُلَامه، وَإِنَّمَا وَجب أَن يبْنى على الضَّم، لِأَن الْهَاء حرف خَفِي، وَقد بَينا أَن الْمُضمر يجب أَن يبْنى على حَرَكَة، فَاخْتَارُوا الضَّم، لِأَنَّهُ أقوى الحركات، فَصَارَ تَقْوِيَة للهاء وبيانا لَهَا، وَكَذَلِكَ أتبعوا الْهَاء واوا على طَرِيق التبين لَهَا، وَلَيْسَت الْوَاو من بِنَاء الِاسْم، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّهَا تسْقط فِي الْوَقْف، كَقَوْلِك: رَأَيْته، وَلَو كَانَت من الأَصْل لم تسْقط.

وَاعْلَم أَن الِاخْتِيَار - إِذا وصلت الضَّمِير - أَن تلْحقهُ الْوَاو، إِذا تحرّك مَا قبله، وَيجوز حذف هَذِه الْوَاو فِي الشّعْر، لِأَن الضمة تسْقط فِي الْوَقْف،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015