علل النحو (صفحة 17)

وَوجه آخر فِي الأَصْل: وَهُوَ أَن الْإِعْرَاب قد بَينا أَنه دخل لإِفَادَة الْمَعْنى، وَهُوَ زِيَادَة على الِاسْم، وَإِنَّمَا يعرف الشَّخْص عِنْد الْفَرَاغ من ذكر اسْمه، فَيجب أَن يكون إِذا فهم معنى الشَّخْص أَن يزْدَاد عَلَيْهِ معنى الْإِعْرَاب، فَإِذا كَانَت مَعْرفَته إِنَّمَا تقع عِنْد الْفَرَاغ من الِاسْم، فَلَا سَبِيل أَن يكون الْإِعْرَاب فهم الشَّخْص وَمَعْنَاهُ، وَلَو كَانَ على غير هَذَا لأشكل مَعْنَاهُ.

فَإِن قَالَ قَائِل: لم خصوا التَّنْوِين من بَين سَائِر الْحُرُوف فجعلوه عَلامَة للانصراف؟

فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن أولى مَا يُزَاد من الْحُرُوف للعلامة حُرُوف الْمَدّ أَو اللين، وَإِنَّمَا صَارَت أولى لِكَثْرَة دورها فِي الْكَلَام، إِذْ لَا كلمة تَخْلُو مِنْهَا أَو من بَعْضهَا، فكرهوا أَن يزِيدُوا حرفا مِنْهَا عَلامَة للانصراف، إِذْ كَانَت هَذِه الْحُرُوف تدل على التَّثْنِيَة وَالْجمع، فَكَانَت زيادتها تُؤدِّي إِلَى أحد أَمريْن: إِمَّا اللّبْس بالتثنية وَالْجمع، أَو يُؤَدِّي ذَلِك إِلَى ثقل اللَّفْظ، فَسَقَطت زيادتها، وَلم يكن للحروف شَيْء أقرب إِلَيْهَا من التَّنْوِين، لِأَن التَّنْوِين نون خَفِيفَة، وَإِنَّمَا لقب بِهَذَا اللقب ليفصل بَين النُّون الَّتِي يُوقف عَلَيْهَا وَبَين هَذِه النُّون - أَعنِي التَّنْوِين الَّذِي لَا يُوقف عَلَيْهِ - وشبهت بحروف الْمَدّ واللين أَنَّهَا غنة فِي الخيشوم، فَلَيْسَ على الْمُتَكَلّم فِيهِ كلفة، إِذْ لَا يعْتَمد لَهُ فِي الْفَم فَجرى مجْرى الْألف فِي الخفة، إِذْ كَانَت هَوَاء فِي الْحلق، فَلهَذَا وَجب أَن يزْدَاد التَّنْوِين عَلامَة للانصراف.

فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا الَّذِي أحْوج إِلَى إِدْخَال التَّنْوِين إِلَى الْفَصْل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015