قيل لَهُ: لِأَن كل فعل إِنَّمَا يتَعَدَّى على حسب دلَالَته على مَا يتَعَدَّى إِلَيْهِ، وَمَتى لم يدل الْفِعْل (31 / ب) على مَا يتَعَدَّى إِلَيْهِ لم يَصح تعديه إِلَيْهِ، فَإِذا كَانَ الْأَمر على مَا ذكرنَا، وَقد علمنَا أَن الْمصدر يدل على الْمصدر وعَلى الزَّمَان، فقد حصل فِيهِ دلَالَة على الْمصدر فيتعدى إِلَيْهِ وَهُوَ الْمَفْعُول الْمُطلق، وتعدى أَيْضا إِلَى الزَّمَان، وَهُوَ مفعول فِيهِ، لدلالته عَلَيْهِ، وَقد أحَاط الْعلم أَن الْفِعْل لَا بُد لَهُ من مَكَان يعْمل فِيهِ، فَصَارَ فِي الْفِعْل أَيْضا دلَالَة على الْمَكَان، إِلَّا أَن الْفِعْل دلَالَته على الزَّمَان وعَلى الْمصدر من جِهَة لَفظه، ودلالته على الْمَكَان من جِهَة الْمَعْنى، وَلِأَن الْفِعْل لَا يَخْلُو من فَاعل، وَلَا بُد للْفَاعِل من هَيْئَة يكون عَلَيْهَا، وَهُوَ الْحَال نَحْو قَوْلك: قَامَ زيد ضَاحِكا، فَصَارَ من الْفِعْل أَيْضا دلَالَة على [الْهَيْئَة] فَلهَذَا نعدي كل فعل إِلَى هَذِه الْأَشْيَاء الْأَرْبَعَة، لاشتراك الْأَفْعَال فِي الحكم الَّذِي ذَكرْنَاهُ.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم منعتم أَن تقوم الْحَال مقَام الْفَاعِل؟
قيل: لِأَن كل فَاعل يجوز أَن يضمر، فَلَو أَقمت الْحَال مقَام الْفَاعِل لجَاز إضمارها، وكل مُضْمر بعد ذكره يجب أَن يكون معرفَة، وَهِي لَا تكون إِلَّا نكره، فَلهَذَا لم يجز أَن تقوم مقَام الْفَاعِل.
وَأما الظروف والمصادر فَتكون معرفَة ونكرة، فَلهَذَا جَازَ أَن نقيمها مقَام الْفَاعِل، وَإِذا لم تسم الْفَاعِل فِي الْأَفْعَال غير المتعدية أَقمت الْمصدر والظرف من الزَّمَان أَو الْمَكَان مقَام الْفَاعِل، وَالْأَحْسَن إِذا أَقمت هَذِه الْأَشْيَاء مقَام الْفَاعِل أَن تكون