فَأَما إِذْ كَانَت الْأَسْمَاء لَا يتَبَيَّن فِيهَا الْإِعْرَاب، فَالْوَاجِب أَن يكون الْفَاعِل الْمُقدم، وَالْمَفْعُول الْمُؤخر، كَقَوْلِك: ضرب مُوسَى عِيسَى، فَإِن نعت أَحدهمَا بِمَا يتَبَيَّن فِيهِ الْإِعْرَاب جَازَ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، لزوَال اللّبْس، نَحْو: ضرب عِيسَى الظريف مُوسَى، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ أحد الاسمين لَا يَصح أَن يكون إِلَّا فَاعِلا أَو مَفْعُولا، جَازَ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، لِأَن هَذَا الْمَعْنى بَين فِي الْإِعْرَاب، نَحْو: كسر الحبلى الْعَصَا، فالكسر إِنَّمَا يَقع على الْعَصَا (29 / ب) دون الْمَرْأَة، فَيجوز التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير.
فَإِن قَالَ قَائِل: الْمَفْعُول إِذا تقدم على الْفِعْل بَقِي مَفْعُولا، وَالْفَاعِل إِذا تقدم على الْفِعْل خرج من أَن يكون فَاعِلا وارتفع بِالِابْتِدَاءِ؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن الْمَفْعُول إِذا تقدم على الْفِعْل فَلَيْسَ ثمَّ عَامل آخر يُوجب نصب الْمَفْعُول، فَيجب أَلا يخرج عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَال التَّأْخِير، وَأما الْفَاعِل فَإِنَّهُ إِذا تقدم على الْفِعْل أمكن أَن يقدر لَهُ عَامل غير الْفِعْل، وَهُوَ الِابْتِدَاء وَعَمله رفع، كعمل الْفِعْل فِي الْفَاعِل، فَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاء سَابِقًا لذكر الْفِعْل، وَجب أَن يعْمل فِيهِ، وَأما الْمَفْعُول إِذا تقدم على الْفِعْل فَلَيْسَ ثمَّ قبله عَامل لَفْظِي وَلَا وهمي غير الْفِعْل الَّذِي قدم قبله، إِذْ خلا ذَلِك الْفِعْل من ضمير، وَلَا سَبِيل إِلَى ضمير حَتَّى يرجع إِلَى مَذْكُور قبله، فرتبة الْمَفْعُول بَاقِيَة مَعَ التَّقْدِيم لما ذَكرْنَاهُ، ورتبة الْفَاعِل ذَاهِبَة مَعَ التَّقْدِيم من أجل الِابْتِدَاء الَّذِي لَا يظْهر لَهُ عَامل لَفْظِي.
فَإِن قَالَ قَائِل: فَهَلا نوي بالفاعل التَّأْخِير، وَإِذا نوي بِهِ التَّأْخِير لم يجز كَونه مُبْتَدأ؟
فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن هَذَا لَا يَصح، وَذَلِكَ أَن شَرط الْفَاعِل إِذا كَانَ بعد الْفِعْل أَن يقوم مقَامه غَيره وَهُوَ مَوْجُود، نَحْو: قَامَ زيد، فمحال أَن تذكر فَاعِلا