الرازي قال: سمعتُ عَليّ بْن الْحُسَيْن بْن الجُنَيْد يقول: سمعتُ يَحْيَى بْنَ مَعِين يَقُولُ: إنا لَنَطْعَنُ على أقوامٍ لعلَّهم قد حَطُّوا رِحالَهُمْ في الجنة منذ أكثَرَ من مِئَتَيْ سَنَةٍ (?) .
قال ابن مَهْرُوْيَهْ: فدخلتُ على عبد الرحمن ابن أبي حاتم، وهو يَقْرَأُ على الناس كتابَ "الجَرْحِ والتعديل"، فحدَّثْتُهُ بهذه الحكايةِ، فَبَكَى، وارتعَدَتْ يداه حتَّى سقَطَ الكتابُ مِنْ يده، وجعَلَ يبكي ويَسْتَعِيدني الحكايةَ، ولم يَقْرَأْ في ذلك المجلسِ شيئًا، أو كما قال.
وقال محمد بن الفضل العَبَّاسي (?) : «كنا عند عبد الرحمن بن أبي حاتمٍ وهو ذا يَقْرَأُ علينا "كتابَ الجَرْحِ والتعديل"، فدخَلَ عليه يوسفُ بنُ الحُسَيْن الرازي، فقال له: يا أبا محمَّد، ما هذا الذي تَقْرَؤُهُ على الناس؟ قال: كتابُ صَنَّفْتُهُ في الجَرْحِ والتعديل، فقال: وما الجَرْحُ والتعديل؟ فقال: أُظْهِرُ أحوالَ أهلِ العلم، مَنْ كان منهم ثِقَةً أو غيرَ ثقة، فقال له يوسف بن الحُسَيْن: استَحَيْتُ لك يا أبا محمد، كم مِنْ هؤلاءِ القومِ قد حَطُّوا رواحلهم في الجَنَّة منذ مِئَةِ سنةٍ، ومِئَتَيْ سنةٍ، وأنت تَذْكُرُهُمْ وتغتابهم على أَدِيمِ الأرضِ؟ فبكى عبد الرحمن، وقال: يا أبا يعقوبَ، لو سَمِعْتُ هذه الكلمةَ قبل تَصْنيفي هذا الكتابَ، لَمَا صَنَّفْتُهُ» .