وقيل: إن بعض المنافقين طعن فيه وقال: إنما خلفه لأنه يبغضه فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما استخلفه لأمانته عنده وإن الاستخلاف ليس بنقص ولا غض فإن موسى استخلف هارون على قومه فكيف يكون نقصاً وموسى يفعله بهارون، فطيب بذلك قلب علي وبين أن جنس الاستخلاف يقتضي كرامة المستخلف وأمانته لا يقتضي إهانته ولا تخوينه ... ولم يكن هذا الاستخلاف كاستخلاف هارون لأن العسكر كان مع هارون وإنما ذهب موسى وحده، وأما استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فجميع العسكر كان معه ولم يتخلف بالمدينة غير النساء والصبيان أو معذور أو عاص وقول القائل: هذا بمنزلة هذا وهذا مثل هذا هو كتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق لا يقتضي المساواة في كل شيء ـ فإنه قد ثبت ـ من قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأسارى لما استشار أبا بكر وأشار بالفدى واستشار عمر فأشار بالقتل قال: "أخبركم عن صاحبيكم مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1 ومثل عيسى إذ قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 2 ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} 3 أو مثل موسى إذ قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} 4 فقوله: لهذا: مثلك كمثل إبراهيم وعيسى ولهذا مثل نوح وموسى أعظم من قول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى فإن نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى أعظم من هارون وقد جعل هذين مثلهم ولم يرد أنهما مثلهم في كل شيء لكن فيما دل عليه السياق من الشدة في الله واللين في الله وكذلك هنا إنما هو بمنزلة هارون فيما دل عليه