رضي الله عنه ... مع ما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزيد ذلك صحة قول موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن ابراهيم: حدثني أبي أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر، وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير، ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس وقال: ما كنت حريصاً يوماً ولا ليلة سألتها في سر ولا علانية فقبل مقالته وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة وإنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها إنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه وخيره ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالناس وهو حي "إسناد جيد ولله الحمد والمنة ومن تأمل ما ذكرناه ظهر له إجماع الصحابة ـ المهاجرين منهم والأنصار على تقديم أبي بكر وظهر له برهان قوله عليه الصلاة والسلام: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" 1.
فبيعة علي رضي الله عنه للصديق بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها محمول على أنها بيعة ثانية أزالت ما كان قد وقع من وحشة بسبب الكلام في الميراث ومنعه إياهم ذلك بالنص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "لا نورث ما تركناه فهو صدقة".
كما تقدم، ومن هذا يعلم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا حصل لهم بعض العتب على بعضهم فإنهم كانوا سريعي الرجوع عند مراجعة الحق وظهوره ولم يجعلوا للغل في قلوبهم سكناً بل كانت قلوبهم على قلب رجل واحد وحتى أم الحسنين رضي الله عنها رجعت عن عتبها على الصديق وعدلت عن مطالبته فيما أفاء الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال فدك بعد أن أبان لها الحكم فيه كما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم2 وهذا هو الصواب والمظنون بها واللائق بأمرها وسايداتها وعلمها ودينها رضي الله عنها3 ولم تطب نفس الإمام الأكبر والصديق الأعظم أبو بكر