عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وبين أن ما رميت به كان إفكاً وهل الإفك إلا الكذب والبهت والافتراء وحذر من العودة إليه أبداً، وتوعد الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات باللعن في الدنيا والآخرة، والآية الأخيرة من تلك الآيات هي قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} يعني أن عائشة ما كانت تصلح لرسول الله شرعاً ولا قدراً لو كانت خبيثة وأن الله ما كان ليجعل عائشة زوجاً لرسوله إلا وهي طيبة لأنه أطيب من كل طيب من البشر عليه الصلاة والسلام كما صرح الله ببراءتها في قوله: {أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} ووعدها بالمغفرة والرزق الكريم {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} وليس لهذا من تفسير إلا أن الباري ـ جل وعلا ـ شهد لها بحقيقة الإيمان وبشرها بالموت عليه لتفوز بعد ذلك بالمغفرة والرزق الكريم في الآخرة وبعد هذا لا يجوز لإنسان يؤمن بالله وكلماته أن ينسب أم المؤمنين عائشة إلى شيء من الخبث والريبة ومن وقع في مثل هذا فليس من تفسير لصنعه هذا إلا الكفر البواح والردة الصراح.
قال العلامة ابن القيم: "ومن خصائصها أن الله ـ سبحانه ـ برأها بما رماها به أهل الإفك وأنزل في عذرها وبراءتها وحياً يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة شهد لها بأنها من الطيبات ووعدها المغفرة والرزق الكريم وأخبر ـ سبحانه ـ أن ما قيل فيها من الإفك كان خيراً لها ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شراً لها ولا خافضاً من شأنها بل رفعها الله بذلك وأعلى قدرها وأعظم شأنها وصار لها ذكراً بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء فيالها من منقبة ما أجلها وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشيء عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها حيث قالت: "ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئني الله بها"1 فهذه صديقة الأمة وأم المؤمنين وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي