وإلى أمور ما كانت فيقولون كانت، ويأتون إلى الأمور التي هي خير وصلاح، فيقولون: هي فساد، وإلى الأمور التي هي فساد فيقولون: هي خير وصلاح1، فهم لا يعقلون عقل تفكر ولا يسمعون سماع تدبر وإلى بيان بطلان مطاعنهم التي تضمنها هذا النص السابق:
فطعنهم على الفاروق رضي الله عنه: بأنه جعل الأمر شورى بعده وخالف فيه من تقدمه ... فجوابه:
أن يقال لهم: "إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان كثير المشاورة للصحابة فيما لم يتبين فيه أمر الله ورسوله، فإن الشارع نصوصه كلمات جوامع وقضايا كلية وقواعد عامة يمتنع أن ينص على كل فرد من جزئيات العالم إلى يوم القيامة فلا بد من الاجتهاد في المعينات، هل تدخل في كلماته الجامعة أم لا، وهذا الاجتهاد يسمى تحقيق المناط وهو مما اتفق عليه الناس كلهم نفاة القياس، ومثبتته، فإن الله إذا أمر أن يستشهد ذوا عدل فكون هذا الشخص المعين صالحاً لذلك أو راجحاً على غيره لا يمكن أن تدل عليه النصوص، بل لا يعلم إلا باجتهاد خاص ... وعمر رضي الله عنه إمام وعليه أن يستخلف الأصلح للمسلمين، فاجتهد في ذلك ورأى أن ـ الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ـ أحق من غيرهم، وهو كما رأى، فإنه لم يقل أحد إن غيرهم أحق منهم، وجعل التعيين إليهم خوفاً أن يعين واحداً منهم، ويكون غيره أصلح لهم، فإنه ظهر له رجحان الستة دون رجحان التعيين، وقال: الأمر في التعيين إلى الستة يعينون واحداً منهم، وهذا أحسن اجتهاد إمام عالم عادل ناصح لا هوى له رضي الله عنه، وأيضاً: فقد قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} 2، وقال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} 3 فكان ما فعله من الشورى مصلحة وكان ما فعله