لهم قدرهم يعلم أن الناصبة ظالمون بهذا القول لعلي رضي الله عنه، وأنهم افتروا عليه بما هو براء منه، فعلي رضي الله عنه لم يطلب الخلافة لنفسه، ولم يقاتل عليها احداً، ولم يقتل أحداً من أجل أن يكون خليفة على المسلمين وإنما لما قتل الغوغاء والأراذل الذين تحزبوا من الأمصار عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يكن أحد أفضل ممن بقي بعد عثمان من علي رضي الله عنه، فاجتمع أهل الحل والعقد من الصحابة الكرام على أن يكون هو الخليفة للمسلمين بعد عثمان، ولما أرادوه للبيعة امتنع من إجابتهم إلى قبول الخلافة حتى ألحوا عليه في ذلك، وكرروا قولهم له، ولما رأى إصرارهم عليه في ذلك فر منهم إلى حائط بني عمرو بن مبذول وأغلق بابه فجاء الناس وطرقوا الباب، وولجوا عليه، وكان معهم طلحة والزبير، فقالوا له: إن هذا الأمر لا يمكن بقاؤه بلا أمير ولم يزالوا به حتى أجاب1.
هكذا كانت الكيفية في مبايعته رضي الله عنه بالخلافة، فلم يقاتل من أجلها لا بسيف ولا سهم، والألوف الذين يزعمون أنه قتلهم من أجل أن يكون خليفة على المسلمين هذا من البهتان عليه، وإنما القتال الذي حصل بين الصحابة في موقعتي الجمل وصفين كان قتال فتنة أوقد نارها بينهم قتلة عثمان، والواجب على المسلم أن يعتقد أن ما جرى بين الصحابة من الاقتتال صدر منهم عن تأويل اجتهدوا فيه، فمن كان منهم مصيباً كان له أجران ومن كان منهم مخطئاً فله أجر واحد وخطؤه مغفور2.
وأما طعنهم عليه بأنه لم يكن مصيباً في حروبه، فهذا مردود عليهم لظهور بطلانه وفساده بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم رحمه الله بإسناده من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تمرق