وأما التأويلات الثلاثة التي ذكرها في الطريق الثالث فالكلام في إبطالها فقط إذ لفظ الحديث مع سائر الأحاديث موافقة لهذا الطريق كما جاء على صورة الرحمن وعلى صورته.
أما التأويل الأول وهو قوله: المراد من الصورة الصفة كما بيناه فيكون المعنى أن آدم امتاز عن سائر الأشخاص والأجسام بكونه عالماً بالمعقولات قادراً على استنباط الحرف والصناعات وهذه صفات شريفة مناسبة لصفات الله من بعض الوجوه فصح قوله: «إن الله خلق آدم على صورته» على هذا التأويل.
فالكلام عليه من وجوه، أحدها أنه تقدم أن لفظ الصفة سواء عني به القول الذي يوصف به الشيء، وما يدخل في ذلك من المثال العلمي الذهني، أو أريد به المعاني القائمة بالموصوف فإن لفظ الصورة لا يجوز أن يقتصر به على ذلك بل لا يكون لفظ الصورة إلا لصورة موجودة في الخارج أو لما يطابقها من العلم والقول وذلك المطابق يسمى صفة ويسمى صورة، وأما الحقيقة الخارجية فلا تسمى صفة كما أن المعاني القائمة بالموصوف لا تسمى وحدها صورة. وإذا كان كذلك فقوله: «على صورته» فلا بد أن يدل على الصورة الموجودة في الخارج القائمة بنفسها التي ليست مجرد المعاني القائمة بها من العلم والقدرة وإن كان لتلك صورة وصفة ذهنية إذ وجود هذه الصورة الذهنية مستلزم لوجود تلك وإلا كان جهلاً لا علما، فسواء عنى بالصورة الصورة الخارجية أو العلمية لا يجوز أن يراد به مجرد المعنى القائم بالذات والمثال العلمي المطابق لذلك.
الوجه الثاني أن قوله: أن آدم امتاز عن سائر الأشخاص