قوله: «إن الله خلق آدم على صورته» مفرداً، أما مع أداء الحديث على وجهه فإن عود الضمير إلى آدم يمتنع فيه، وذلك أن خلق آدم على صورة آدم سواء كان فيه تشريف لآدم أو كان فيه إخبار مجرد بالواقع فلا يناسب هذا الحكم.
الوجه الثاني أن الله خلق سائر أعضاء آدم على صورة آدم فلا فرق بين الوجه وسائر الأعضاء في هذا الحكم. فلو كان خلق آدم على صورة آدم مانعاً من ضرب الوجه أو تقبيحه لوجب أن يكون مانعاً من ضرب سائر الوجوه وتقبيح سائر الصور، وهذا معلوم الفساد في العقل والدين. وتعليل الحكم الخاص بالعلة المشتركة من أقبح الكلام، وإضافة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يصدر إلا عن جهل عظيم أو نفاق شديد، إذ لا خلاف في علمه وحكمته وحسن كلامه وبيانه، كما يذكر أن بعض الزنادقة سمع قارئاً يقرأ: {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف} فقال: وهل يذاق اللباس؟ فقالت له امرأة: هبك تشك في بداية العقول. أو يعلل حكم المحل بعلة لا تعلق لها به فإن هذا مثل أن يقال: لا تضربوا وجوه بني آدم فإن أباهم له صفات يختص هو بها دونهم مثل كونه خلق من غير أبوين أو يقال: لا تضربوا وجوه بني آدم فإن أباهم خلق من غير أبوين.
الوجه الثالث: أن هذا تعليل للحكم بما يوجب نفيه. وهذا من أعظم التناقض وذلك أنهم تأولوا الحديث على أن آدم لم يخلق من نطفة وعلقة ومضغة. وعلى أنه لم يتكون في مدة طويلة بواسطة العناصر. وبنوه قد خلقوا من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة وخلقوا في مدة من عناصر الأرض. فإن كانت العلة المانعة من ضرب الوجه وتقبيحه كونه خلق على ذلك الوجه وهذه العلة منتفية في بنيه فينبغي أن يجوز ضرب وجوه بنيه وتقبيحها لانتفاء العلة فيها أن آدم هو الذي خلق على صورته دونهم