في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي في سنة ستين وثمانمائة وألف، حيث حدث أيضاً حادث في بيت المقدس حينما عين السلطان العثماني عبد المجيد والياً وأمره بتعمير القدس في سنة ستين وثمانمائة وألف من الميلاد، وهذا الوالي كان اسمه سالم باشا وكان هذا الوالي الذي عين من قبل السلطان قد أجاز لبعض الدول الأجنبية أن ترفع أعلامها على قنصلياتها في بيت المقدس؛ لأنها كانت قد حاربت في دولة تركيا ضد روسيا القيصرية، فقام الأهالي ضده، وهاجت الدنيا وماجت، وأجبروا هذا الوالي على العدول عن هذا القرار، فطويت الأعلام الأجنبية في القدس في الحال.
هذه من الحوادث التي يذكرها التاريخ، ونتذكرها نحن اليوم حين نذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه عنه ثوبان رضي الله عنه: (توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.
فقال قائل: أومن قلة نحن يومئذ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
فهذا هو الداء، وهذا هو الدواء يصفه لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذه المهابة التي ردها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى، وأعز بها دين الله عز وجل، لكن لما وقع هذا المرض في قلوب المسلمين، وهو حب الدنيا وكراهية الموت، صاروا نهباً للأمم؛ لأن هذه الأمة لا عزة لها إلا بالإسلام، والعرب بدون الإسلام لابد أن يكونوا في مؤخرة الأمم، فلا يصلحهم إلا الإسلام، فأي حل غير الإسلام والعودة إلى كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يمكن أن ينهضوا، وهذا أمر قطعي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:10]، فلا علاج إلا القرآن والسنة والإسلام كما أنزله الله عز وجل، وكما طبقته خير القرون من هذه الأمة.
هذا الخير الذي تمثل في العزة الإسلامية التي بعثها صلاح الدين الأيوبي، والتي تبعث حتى اليوم في نفسية الأوروبيين الهلع والخوف والجبن من أن يعود المسلمون إلى إسلامهم؛ لأنهم حينئذ لن يكون لأعداء الإسلام أي طاقة يواجهون بها المسلمين إن عادوا إلى إسلامهم.
فأخوف ما يخافون هو عودة المسلمين إلى الإسلام، فلابد من الأخذ بكل الأسباب التي تدمر هذا السبب من أسباب القوة، سواء بتشويش فهمهم للإسلام وتشويهه، أو بالقهر والجبروت والتسلط، أو غير ذلك من الأسباب التي نراها.
وهذه الرهبة التي زالت من قلوب الأعداء من أمم اليوم، يكفي أن نستدل على خطرها عليهم بما نعلم عن الأمهات في إيطاليا، فإن الأمهات في إيطاليا إذا أرادت الأم أن ترعب ابنها أو تخيفه فتقول له: إذا لم تسكت سآتيك بـ صلاح الدين! حتى اليوم يخافون من ذكر صلاح الدين، ومن فهم صلاح الدين ومن منهج صلاح الدين رحمه الله تعالى الذي أدبهم وأعطاهم درساً لا ينسونه حتى اليوم.
فالداء كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم)، لماذا؟ لأننا نطلب العزة في غير الإسلام، (وليقذفن في قلوبكم الوهن.
قال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)، فالإسلام هو الطريق الصحيح لعودة هذه الأمة إلى سيرتها الأولى، وإلى عزتها، وإلى قوتها، وقد جاء أن عائذ بن عمرو جاء يوم الفتح مع أبي سفيان بن حرب قبل أن يسلم، فقال بعض الصحابة: هذا أبو سفيان وعائذ بن عمرو.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا عائذ بن عمرو وأبو سفيان، الإسلام أعز من ذلك، الإسلام يعلو ولا يعلى).
فمجرد أن قدموا ذكر أبي سفيان وهو لم يكن قد أسلم بعد، على ذكر صحابي مسلم جليل أنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قالوا: هذا أبو سفيان وعائذ بن عمرو، قال النبي صلى الله عليه وسلم منكراً عليهم ذلك: (هذا عائذ بن عمرو وأبو سفيان، الإسلام أعز من ذلك، الإسلام يعلو ولا يعلى).