الْفُقَهَاء بِعَيْنِه يرى أَنه يمْتَنع من مثله الْخَطَأ وَأَن مَا قَالَه هُوَ الصَّوَاب الْبَتَّةَ وأضمر فِي قلبه أَن لَا يتْرك تَقْلِيده وَإِن ظهر الدَّلِيل على خِلَافه وَذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن عدي بن حَاتِم أَنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله} قَالَ إِنَّهُم لم يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكنهُمْ كَانُوا إِذا أحلُّوا لَهُم شَيْئا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذا حرمُوا عَلَيْهِم شَيْئا حرمُوهُ وفيمن لَا يجوز أَن يستفتي الْحَنَفِيّ مثلا فَقِيها شافعيا وَبِالْعَكْسِ وَلَا يجوز أَن يَقْتَدِي الْحَنَفِيّ بِإِمَام شَافِعِيّ مثلا فَإِن هَذَا قد خَالف إِجْمَاع الْقُرُون الأولى وناقض الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَلَيْسَ مَحَله فِيمَن لَا يدين إِلَّا بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يعْتَقد حَلَالا إِلَّا مَا أحله الله وَرَسُوله وَلَا حَرَامًا إِلَّا مَا حرمه الله وَرَسُوله لَكِن لما لم يكن لَهُ علم بِمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا بطرِيق الْجمع بَين المختلفات من كَلَامه وَلَا بطرِيق الإستنباط من كَلَامه اتبع عَالما راشدا على أَنه مُصِيب فِيمَا يَقُول ويفتي ظَاهرا مُتبع سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن ظهر خلاف مَا يَظُنّهُ أقلع من سَاعَته من غير جِدَال وَلَا إِصْرَار فَهَذَا كَيفَ يُنكره أحد مَعَ أَن الإستفتاء لم يزل بَين الْمُسلمين من عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا فرق بَين أَن يستفتي هَذَا دَائِما أَو يستفتي هَذَا حينا بعد أَن يكون مجمعا على مَا ذَكرْنَاهُ كَيفَ لَا وَلم نؤمن بفقيه أيا كَانَ أَنه أوحى الله إِلَيْهِ الْفِقْه وَفرض علينا طَاعَته وَأَنه مَعْصُوم فَإِن اقتدينا بِوَاحِد مِنْهُم فَذَلِك لعلمنا أَنه عَالم بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله فَلَا يَخْلُو قَوْله إِمَّا أَن يكون من صَرِيح الْكتاب وَالسّنة أَو مستنبطا مِنْهُمَا بِنَحْوِ من الإستنباط أَو عرف بالقرائن أَن الحكم فِي صُورَة مَا مَنُوط بعلة كَذَا وَاطْمَأَنَّ قلبه بِتِلْكَ الْمعرفَة فقاس غير الْمَنْصُوص على الْمَنْصُوص فَكَأَنَّهُ يَقُول ظَنَنْت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كلما وجدت هَذِه الْعلَّة فَالْحكم ثمَّة هَكَذَا والمقيس مندرج فِي هَذَا الْعُمُوم فَهَذَا أَيْضا معزو إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن فِي طَرِيقه ظنون وَلَوْلَا ذَلِك لما قلد مُؤمن لمجتهد فَإِن بلغنَا حَدِيث من الرَّسُول الْمَعْصُوم الَّذِي فرض الله علينا طَاعَته بِسَنَد صَالح يدل على خلاف مذْهبه وَتَركنَا حَدِيثه وَاتَّبَعنَا ذَلِك التخمين فَمن أظلم منا وَمَا عذرنا يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين