فشيئاً ثم قبض عليهم في ليلة واحدة وأنزل أصحابه في دورهم وفّرق إقطاعاتهم عليهم، وانزوى العاضد في مخدعه فريسة للهّم والمرض وأدرك صلاح الدين أن الفرصة باتت مواتية للقضاء على الدولة الفاطمية المحتضرة فعقد مجلساً كبيراً حضره أمراء جيشه وقواده وفقهاء السُّنة ومتصوفوها وسألهم الرأي والنصيحة وقد اتفق رأي الحاضرين على اتخاذ تلك الخطوة الفاصلة في حياة البلاد وفي بداية سنة 567هـ/1171م قطع صلاح الدين الخطبة للفاطميين وكان قطعها بالتدرج ففي الجمعة الأولى من محرم 567هـ حذف اسم العاضد من الخطبة وفي
الجمعة الثانية خطب باسم الخليفة المستضيء بأمر الله.
134. كان نور الدين محمود يرى إزالة الدولة الفاطمية هدفاً استراتيجياً للقضاء على الوجود النصراني، والنفوذ الباطني في بلاد الشام، ولذلك حرص على إعادة مصر للحكم الإسلامي الصحيح فوضع الخطط اللازمة وأعد الجيوش المطلوبة وعين الأمراء ذوي الكفاءة المنشودة، فتّم الله له ما أراد على يدي جنديه المخلص وقائده الآمين صلاح الدين الذي نفذ سياسة نور الدين الحكيمة الرشيدة.
135. استخدم صلاح الدين أساليب عديدة للقضاء على الوجود الشيعي الرافضي بمصر منها؛ إذلال الخليفة الفاطمي العاضد، وإزالة هيبة قصر الخلافة الفاطمي، قطع الخطبة الجامعة من الجامع الأزهر، وإبطال تدريس الفكر الباطني به، وإتلاف. وحرق الكتب الشيعية الإسماعيلية، وألغى جميع الأعياد المذهبية للفاطمييين، محو رسوم الفاطمية وعملاتهم، الحفاظ على أفراد البيت الفاطمي، إضعاف العاصمة الفاطمية، الاستمرار في ملاحقة بقايا التشيع في الشام واليمن ومصر.
136. توفي نور الدين يوم الأربعاء الحادي عشر من شّوال سنة تسع وستين وخمسة مئة ودفن بدمشق وكان رحمة الله حريصاً على الشهادة وكان يقول: طالما تعرضت للشهادة فلم أدُرِكها وقال الذهبي: قد أدركها على فراشه وعلى ألسنة الناس نور الدين الشهيد، وبعد وفاة نور الدين حمل راية الجهاد تلميذه الفذ صلاح الدين الأيوبي الذي بنى جهاده على ما أسسه وأتمها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين