في زحف جيش نور الدين إلى مصر انتهى بفتحها وتوحيدها مع الشام، فلو تتبعنا مسيرة ابن نجا هذا بعد أن استأذن عبد القادر بالرحيل إلى مصر لوجدناه يتوجه إلى دمشق، ويستقر بها مدة ليست قصيرة حيث اشتغل بالوعظ والتدريس، ثم وفد إلى بغداد عام 564هـ/1168م رسولاً لنور الدين حيث خلع عليه الخليفة وبعد ذلك مباشرة يدخل مصر ويتصل بالخلافة الفاطمية وينال الحظوة عند حكّام الدولة الفاطمية (?)
ويذكر ابن رجب أن ابن نجا الواعظ زار الشيخ عثمان بن مرزوق القرشي المتحمس لعبد القادر وساله عن إمكانية قدوم أسد الدين شيركوه إلى مصر. فكان جواب الشيخ هو المشورة بالانتظار مدة وكل محاولة سريعة لابد وأن تفشل " فجري الأمر كما ذكر (?) وكان الشيخ عثمان يرأى أن يسبق غزو شيركوه لمصر مزيد من تهيئة الأجواء العامة لاستقباله بما يشيعه زعماء التصوف السني والوعاظ عن الخير الذي سيصحب قدومه، وأما عن خطوة بن نجا في بلاط الفاطميين، فكانت من ضمن الخطة التي استهدفت اختراق البلاط الفاطمي لمعرفة مواطن الضعف والقوة عندهم، ودعم التعبئة والفكرية، التي كان يقودها أمثال الشيخ عثمان بن مرزوق، لأن ابن نجا قد قام بنفس الدور الاستطلاعي في مناسبة تالية (?)، وتبدو أهمية الدور الذي لعبه زين الدين بن نجا في كشفه لمؤامرة الفاطميين ضد صلاح الدين عام 569هـ/1173م وسيأتي الحديث عنها بإذن الله عن بيان فقه نور الدين زنكي في إسقاط الدولة الفاطمية.
8 - صفاته ووفاته: وصف موفق الدين ابن قدامة المقدسي الشيخ عبد القادر فقال: كان الشيخ عبد القادر نحيف البدن ربع القامة عريض الصدر، عريض اللحية وطويلها، أسمر مقرون الحاجبين أدعج العينين، ذا صوت جهوري وسمت وقدر (?)، وكان وافر النشاط دائم الحركة يرى في الشتاء وكأنه في الصيف يتصبب العرق من جسده (?)، وكان يلبس هيئة مخصوصة ويتطليس ويركب البغلة وترفع الغاشية بين يديه (?). وقد أطنب المؤرخون الذين ترحموا لعبد القادر في وصف أخلاقه، فذكروا أن سكوته كان أكثر من كلامه، فإذا تكلم كان كلامه على الخواطر، وكان دائم البشر شديد الحياء، لين الجانب وكانت له عناية بالفقراء والمساكين فقد كان يجالس الفقراء ويغلي لهم ثيابهم ويقف مع الصغير ولكنه يحرص على أن لا يقوم لأحد من العظماء وأعيان الدولة وكان لا يرد سائلاً وكان يكرم جليسه بحيث