إن الروايات التي صحَّت في استشارة النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة ثم في تطبيق الخلفاء الراشدين لنصوص الشورى هي التي ترسم معالم الشورى في الإسلام، لأن القرآن نص على "الشورى" دون تفصيل لحدودها وكيفية تطبيقها ومدى الزاميتها، وبسبب الإجمال في الآيتين اللتين تناولتا قضية الشورى وهما: (وأمرهم شورى بينهم) (?) و (شاورهم في الأمر) (?) وقد وقعت الأولى بين وصفهم بالصلاة (وأقاموا الصلاة) ووصفهم بأداء الزكاة (ومما رزقناهم ينفقون)، أي بين فريضتين، والخبر إذا أريد به الإنشاء الطلبي فهو أقوى من الأمر وأما الآية الثانية فهي بصيغة الأمر، وليس في القرآن قرينة تصرف الأمر عن الوجوب إلى الندب، فلم يبق إلا أن نفتّش في السنة، ولم أجد- حسب جهدي- في أحداث السيرة النبوية نصاً صحيحاً يدل على صرف الأمر بالشورى عن الوجوب إلى الندب، بل لم أقف على ما يدل على عدم إلزامية الشورى، فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي الأكثرية في أحد، وشاور زعماء المدينة من الأنصار (سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وسعد بن الربيع وسعد بن خيثمة وسعد بن مسعود) في إعطاء شطر تمر المدينة لغطفان مقابل انسحابها من الأحزاب، فلما اتفقت آراؤهم على احتمال الحصار دون بذل التمر أخذ برأيهم رغم الخطر الكبير المحدق بالمدينة وبالدعوة الإسلامية. وأخذ برأي الأكثرية في حصار الطائف إذ أراد فك الحصار فرأى المسلمين يميلون