بالربا والغش وحرموه بينهم، وأبوا دعوة الناس إلى دينهم لئلا يحظوا- في زعمهم- بشرف الانتماء إلى شعب الله المختار، وتعاليم موسى عليه السلام قبل أن يحرفها اليهود لا تُقِّر هذه الروح العنصرية البغيضة، ولا تعترف بنسبية الأخلاق في التعامل بين الناس. ونخلص من هذا العرض الوجيز إلى القول بأن العالم يومذاك كان بحاجة إلى رسائل دينية جديدة تعيد للتوحيد صفاءه وللأخلاق قيمتها وتأخذ بيد الإنسان نحو الحق والخير والعدل بعد أن ساد الشرك والظلم والشر آماداً طويلة وانحرف الناس عن تعاليم الأنبياء.

وقد جعل الله تعالى مهمة حمل الرسالة الخاتمة التي بعث بها رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم في أعناق العرب سكان شبه جزيرة العرب، وكانوا ضعفاء مقهورين فقواهم الله، وفقراء مملقين، فأغناهم الله، وقبائل متفرقين، فوحدهم الله وأغماراً منسيين، فعرفتهم الدنيا بعد أن حملوا رسالة الاسلام، وقدموها للأمم الأخرى فاستجاب لهم كثيرون من أمم الأرض، وساعدوهم على نشر الدعوة حتى امتد الاسلام إلى بلاد فارس والترك والهند وأطراف الصين شرقاً، وإلى البلاد الخاضعة للروم في الشام وشمال أفريقية، بل إلى الأندلس وجنوب فرنسا وإيطاليا، وهكذا عمَّ نور الاسلام معظم أرجاء المعمورة، وأزاح القوتين الكبيرتين فقضى على فارس وأضعف الروم في القرن الأول الهجري.

وسوف نستعرض فيما يلي الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والأخلاقية التي كانت تسود في بلاد فارس والروم، ثم نعرض لهذه الأحوال في شبه جزيرة العرب، وذلك لنتعرف على الظروف العامة التي ظهر فيها الاسلام، ثم نتبين مقدار ما أحدثه من تغيير في تلك الأحوال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015