ذكاؤه وقوة حفظه: وكان رحمه الله قوي الذاكرة سريع الحفظ، ذكر عنه المطلعون على حاله ما يتعجب منه الأذكياء ذوو الحفظ والإتقان فضلا عمن سواهم، فقد قال عنه أبو بكر الكلوذاني: ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل، كان يأخذ الكتاب من العلم فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الحديث من مرة واحدة.
وقال محمد بن أبى حاتم وراق البخاري: قلت لأبى عبد الله محمد بن إسماعيل: تحفظ جميع ما أدخلته في المصنف قال: لا يخفي عليّ جميع ما فيه.
وقال محمد بن حمدويه: سمعت البخاري يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح.
وقال محمد بن الأزهر السجستاني: كنت في مجلس سليمان بن حرب والبخاري معنا يسمع ولا يكتب، فقيل لبعضهم ما له لا يكتب؟ فقال: يرجع إلى بخارى ويكتب من حفظه.
ولعل من أعجب ما نقل عنه في ذلك ما قاله الحافظ أبو أحمد بن عدى - كما في تاريخ بغداد ووفيات الأعيان وغير هما- سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمداً بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه، فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوا إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن