. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(أما بعد) فإن تلخيص المفتاح (?) فى علم البلاغة وتوابعها بإجماع من وقف عليه، واتفاق من صرف العناية إليه أنفع كتاب فى هذا العلم صنف، وأجمع مختصر فيه على مقدار حجمه ألف، ولم أزل مشغوفا بهذا الفن وله محبا، مشغول الخاطر بالعزم على التجرد إليه وإن كنت على غيره من العلوم مكبا، منذ أبرزتنى الإرادة إلى الوجود إبراز الهلال، وبشرتنى حال المولد بالبلوغ لهذا العلم براعة الاستهلال، وآذنتنى الفراسة أن حسن التخلص حينئذ إنما كان كناية عن مقتضى الحال، وتعريضا بحقيقة ما سيكون من إدراك الآمال.

أتانى هواها قبل أن أعرف الهوى … فصادف قلبا خاليا فتمكّنا (?)

إلى أن أعربت عن حال التمييز، وبلغت ما تنازع إليه النفس من الاشتغال بمصنفاته ما بين مطنب ووجيز، فلم أطلع للمتأخرين فيه على تصنيف محكم تقر بتهذيبه العين، ولا وقفت لهم فيه على تأليف مجمل أو مفصل أشاهد صحاح معانيه فلا أطلب أثرا بعد عين، أما أهل بلادنا فهم مستغنون عن ذلك بما طبعهم الله تعالى عليه من الذوق السليم، والفهم المستقيم، والأذهان التى هى أرق من النسيم، وألطف من ماء الحياة فى المحيا الوسيم، أكسبهم النيل تلك الحلاوة، وأشار إليهم بأصبعه فظهرت عليهم هذه الطلاوة، فهم يدركون بطباعهم ما أفنت فيه العلماء فضلا عن الأغمار الأعمار، ويرون فى مرآة قلوبهم الصقيلة ما احتجب من الأسرار خلف الأستار.

والسيف ما لم يلف فيه صيقل (?) … من طبعه لم ينتفع بصقال (?)

فيا لها غنيمة لم يوجف عليها من خيل ولا ركاب، ولم يزحف إليها بعدو عديّة ولا بلحاق لا حق وانسكاب سكاب، فلذلك صرفوا هممهم إلى العلوم التى هى نتيجة أو مادة لعلم البيان، كاللغة، والنحو، والفقه، والحديث، وتفسير القرآن. وأما أهل بلاد المشرق، الذين لهم اليد الطولى فى العلوم، ولا سيما العلوم العقلية والمنطق، فاستوفوا هممهم الشامخة فى تحصيله،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015