14 - فصل
في ذكر أول من ظهر بطريقهم وحاله في نفسه
ووجه الدخول عليهم في ذلك.
اعلم أن هذا الشيخ الذي استندت إليه هذه الطائفة، ظهر في التربية بأمور مستغربة، عامل فيها خصوصا من المريدين، أو كل مريد، لما رأى فيها من المصلحة لهم، وكونه لائقا بهم في مدة تربيتهم، كفهمهم عن علم الرسوم بعد تحصيل الواجب جمعا للهمة، وأخذهم بالقوة في تجريد الحقيقة لكلمة الشهادة، إفرادا للوجه، ومعاقبتهم بالصوم على وجود الكسل عن الورد، ردعا للقوة إذا كان ذلك لائقا بهم، واستئذانهم بالتسبيح استطرادا لحالة الجمع في تلك المدة، وإجرائهم على خلاف العادة طلبا للانتقال مع نظره في كل مريد بما يليق بحاله، ومعاملته بما هو واجب في وقته، وإشغال كلهم فيما هو واجب أو مندوب من سببه، هذا هو الظن به، لما يذكر من فضله وحقيقته رحمة الله عليه.
فلما قبضه الله إليه اختلف أصحابه في الفهم عنه اختلافا متباينا، فأما ولي عهده والمقدم لتقديمه لمحله فظهر منه تغيير كثير مما كان عليه الشيخ اعتبارا بالحال، وهو فقدان شرط جواز ما كان الشيخ يعامل به المريدين من الطريقة، من انجماع حقائقهم في الطريق، وضعفه عما كان الشيخ عليه من التحقق والتحقيق، فأنكر عليه بعض أصحاب الشيخ ذلك، وزعموا أنه خارج عن طريق الشيخ فيما هنالك، وذلك منهم توهم وحسبان لا أصل له كما توهم ذلك بعض الفقهاء من أهل الدين، فكان يحلف ولا يستثني أنه مخالف لطريقه شيخه، وليس الأمر كذلك، بل كما قررناه من فقدان الشرط، فانتقل الحكم لما لا يليق بالوقت والحال، وهو أصل طريقة الشيخ، والأمور معتبرة بأصولها، وإن خالفت صورها، فهو إذا تابع لشيخه في الحقيقة وإن خالفه في الصورة.
ثم مستندنا في حسن الظن به في ذلك فراسة الشيخ فيه حتى قدمه،