يكون بشر امتحانا وابتلاء، فإن زاد مع اللجوء إلى الله، فعقوبة تحتاج إلى الاستغفار، وإلا فتذكير، أو نفساني لأنه يشاركه في التعميم، ويفارقه في انتفائه باللجوء والاستغفار والمجاهدة، ثم هو إن كان مع عجلة لا مع تأن، ومع أمن لا مع خوف، ومع عمى العاقبة لا مع بصارة العاقبة، فهو من النفس أبدا، وهذا كله إن لم يكن من الشرع في الترجيح واضح، فإن كان فهو المرجح.
وفي الحكم إذا التبس عليك أمران فانظر أثقلهما على النفس فاتبعه، فإنه لا يثقل عليها إلا ما كان حقا، وفي (لطائف المنن): الذي يطلب العلم لله إذا قيل له: غدا تموت لا يضع الكتاب من يده، وقال المشايخ (ض): من عرف ما يدخل جوفه، عرف ما يجري في قلبه، لأن الحرام يطمس القلب، والشبهة تدهشه، والحرص يعميه، قال بنان الحمال (ض) (?): بقيت طاويا مطروحا على باب بني شيبة تسعة أيام، لم أذق شيئا، فنوديت في سري: من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه، أعمى الله عيني قلبه، قالوا: وكل وجد سري عن صاحبه فلم يؤثر فيه موافق ما سمع من القرآن والسنة، فسماعه بالنفس، ووجده بالشيطان أو بالطبع.
والحركة في السماع نقص كلها، وإنما الوجد بالاستلقاء والثقل، وقد سئل الشيخ أبو محمد عبد القادر (?) (ض) عن صفة الواردات الإلهية والطوارق الشيطانية، فقال (ض): الوارد الإلهي لا يأتي باستدعاء، ولا يذهب لسبب، ولا يأتي على نمط واحد، ولا في وقت واحد، والطارق الشيطاني بخلاف ذلك غالبا، انتهى، وهو شرح عجيب لا يصدر إلا من مثل هذا الإمام (ض) ونفعنا به بمنه وكرمه.
...