بخسة نفسه، وضعتها وعيوبها وآفاتها، فإذا أحاط علما بهذين الأصلين نظر إلى نفسه وإلى ما أجرى الحق تعالى عليه من الأفعال والأقوال، وما صرفه فيه من الأحوال، فسيرى حينئذ من لطف الله تعالى به ورحمته وعنايته وفضله ما لا مطمع لأحد في إدراكه وفهمه، فيوجب ذلك له محبة وحياء يحملانه على الشكر لله تعالى بشهود النعم منه وحسن الأدب معه، فإذا رأى نفسه على طاعة فرح بمنة الله تعالى عليه من غير استحقاق ولا وسيلة، وكم من شخص لم يعطها، وليستعمل حينئذ حسن الأدب في تحسينها ونفي الآفات عنها وإخلاصه فيها ربه عز وجل، فيكون حينئذ بهذه الرؤية والأدب أفضل ممن استغرق أوقاته في الطاعات وأنواع العبادات، مع فقدان ذلك، وكذلك إن رأى نفسه بحال نعمة، من صحة بدن ونيل رزق وإن قل، فليفرح بذلك ويشكر ربه عليه لعلمه أنه لا يستأهل ذلك ولا يليق به، ويستعمل حينئذ حسن الأدب في الاستعانة بها على طاعة الله عز وجل، ولا يستعملها في معصية، وكم من شخص مبتلى بمرض أو فقر يتمنى ذلك ولا يجده، وكذلك إذا ابتلي بفقر أو أصيب بمرض من مصائب الدنيا فليفرح بذلك، لأنه سلك به مسلك الأولياء والصالحين، وليفرح بمنة ربه عز وجل في أن لم تكن أكثر من ذلك، كما ابتلي به طوائف من الناس، وليستعمل حسن الأدب في الصبر والرضى ونفي الجزع والشكوى، والدعاء إلى الله تعالى في سعة الرزق وكشف الضر وسؤال العافية في الدين والدنيا، وإن أمكنه السبب لاكتساب ما يغنيه والتطبب لبرئه، فيفعل ذلك فهو من حسن الأدب، وليشكر الله تعالى على تمكينه من ذلك وإذنه له فيه، وكذلك إن ابتلي بذنب أو غفلة أو سوء أدب فلا يغفل عن اللطف وخفي السنة بذلك، فقد يكون ذلك سببا لخوفه ونفي عجبه والتجائه ربه، كما ورد في الخبر في قوله (ص): ((لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أشد من ذلك العجب)) (?) وكم نت شخص مرتكب للكبائر مستحل لها، فرح بها.