وقد عرف أن الفلاح العارف إذا وجد الأرض مشغولة بما لا منفعة فيه أزاله عنها (?) ثم حرث فيها ما فيه منفعة على حسب ما تقتضيه، فكذلك العارف من هذه الطائفة، يجرد النفوس عن شوك المحرمات، ثم يشق أرضها بوجود الصدق وأسباب الاعتقاد، حتى إذا تأهلت لبذر الذكر، ألقي فيها منه ما يصلح لها وتحمله قواها، وجعلوا الأمر عند الله فيما ينمي ذلك من مطر التوفيق والتنزلات الموهبية، غير أنهم يهيئون السواقي التي هي الأسباب الشرعية من العمل ونحوه، وينقون الحجر، واللفيف من الربيع والشوك ونحوه، مثل الرياء والعجب وما في معناه، خوفا من آفته، ثم لا تزال هممهم متعلقة بفضل الله وكرمه في توصيل المقصد والمراد على أتم الوجوه وأكملها، فلذلك كان طريقهم مصحوبا بالتنعم بالحق من أول قدم، لأنه لا تعريج لهم على غيره من أول الأمر إلى آخره، وذلك مقتضى الإيمان والحكمة، فلذلك قال (ص): ((الإيمان يمان والحكمة يمانية))، وهو أيضا طريق الرحمة والسهولة التي أشار لها عليه الصلاة والسلام بقوله: ((إني لأجد نفس الرحمن من ناحية اليمن)) (?)، يعنى تنفس الرحمة، وهو بساط النصر في قوله: ((نصرت بالصبا)) (?) الحديث، فاعرف ما أنت فيه، ثم اسلك على منهاجه تبلغ مرادك في أقرب مدة إن صدقت وأهلت، وذلك بأن تنظر