فوقها، بأن تصير جاذبة لما هي به كالإكسير، وكاملة كالذهب، لا تؤثر فيها العوارض ولا غيرها، وهذه رتبة العارف الذي إذا توجه نفع، ويصل إليها بالرياضة وصدق التوجه، والله أعلم.
الثالثة: نفس كالحديد، صالحة للنفع والرفع، غير أنها مصحوبة بسواد الشهوات والمعاصي، وقساوة الغفلات والكبر، فتحتاج إلى التطهير حتى تصير خالصة، ثم إلى التليين حتى تصير منطبعة قابلة للخاصية الفضية، ثم الخاصية الذهبية، وهذه نفوس أكثر المغاربة من المصامدة ومن جرى مجراهم، إلا من حفظه الله، وقليل ما هم.
الرابعة: نفس كالنحاس، وفيه ما في الذي قبله بزيادة النتن، وهي تزكية النفس ورؤيتها أهلا للكمالات، فتحتاج للتطهير بالتقوى، ثم للتليين بالتواضع والحضور، ثم للتنقية برؤية المنة لله سبحانه، وحينئذ يصلح لأن يكون فضة خالصة، أو ما يقرب منها، فافهم.
الخامسة: نفس كالرصاص، وفيه السواد واللين والنتن، فسواده عيبه وذنبه، ولينه انقطاعه وميله، ونتنه رؤيته نفسه، فيحتاج للتنظيف (?) ثم للتقسية حتى لا ينطبع إلا بقدر الحاجة، ثم للتنقية حتى لا تبقى لنفسه رائحة، وهذا حال المخالطين للفقراء من الجند، فإذا انتقل صلح لأن يكون ذهبا أو فضة، وهو أبعد، والله أعلم.
السادسة: نفس هي كالقصدير، وفيه سبع علل ظاهرة، وسبع علل باطنة، هي في غرضنا معاصي الجوارح السبعة، التي هي: العين والأذن والفم والبطن واليدان والرجلان والفرج، وأخلاق القلب السبعة، التي هي: الكبر والبخل والحد والحقد والحرص والطمع والهوى، فإذا خلا من هذه صفا ظاهره بالتقوى، وخلص باطنه بالإخلاص، فلم تبق فيه بقية لغير مولاه، بل صار فضة خالصة، لا شوب فيها بالحقيقة، فاعرف ذلك حقه.