نفس هذه الاعضاء والقوى كما يظنه أعداء الله أهل الوحدة وان ذات العبد هى ذات الرب تعالى الله عن قول اخوان النصارى علوا كبيرا ولو كان كما يظنون لم يكن فرق بين هذا العبد وغيره ولا بين حالتى تقربه إلى ربه بالنوافل وتمقته اليه بالمعاصى بل لم يكن هناك متقرب ومتقرب اليه ولا عبد ولا معبود ولا محب ولا محبوب فالحديث كله مكذب لدعواهم الباطلة من نحو ثلاثين وجها تعرف بالتأمل الظاهر وقد فسر المراد من قوله: " كنت سمعه وبصره ويده ورجله" بقوله: "فبي يسمع وبى يبصر وبى يبطش وبى يمشى " فعبر عن هذه المصاحبة التى حصلت بالتقرب اليه بمحابه بألطف عبارة وأحسنها تدل على تأكد المصاحبة ولزومها حتى صار له بمنزلة سمعه وبصره ويده ورجله
ونظير هذا قوله:"الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه".
ومثل هذا سائغ في الاستعمال أن ينزل إلى منزلة ما يصاحبه ويقارنه حتى يقول المحب للمحبوب أنت روحى وسمعى وبصرى وفي ذلك معنيان أحدهما أنه صار منه بمنزلة روحه وقلبه وسمعه وبصره والثانى أن محبته وذكره لما استولي على قلبه وروحه صار معه وجليسه كما في الحديث "يقول الله تعالى: أنا جليس من ذكرنى" وفي الحديث الآخر "أنا مع عبدى ما ذكرنى وتحركت بى شفتاه" وفي الحديث "فإذا أحببت عبدى كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا" ولا يعبر عن هذا المعنى بأتم من هذه العبارة ولا أحسن ولا ألطف منها وإيضاح هذه العبارة مما يزيدها جفاء وخفاء.
والمقصود انما هو ذكر الصبر بالله وأن العبد بحسب نصيبه من معية الله له يكون صبره واذا كان الله معه أمكن أن يأتى من الصبر بما لا يأتى به غيره قال أبو على فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله معيته قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} .