فأخبر سبحانه أن حلمه ومغفرته يمنعان زوال السموات والارض فالحلم وامساكهما أن تزولا هو الصبر فبحلمه صبر عن معالجة أعدائه.
وفى الآية اشعار بأن السموات والارض تهم وتستأذن بالزوال لعظم ما يأتى به العباد فيمسكها بحلمه ومغفرته وذلك حبس عقوبته عنهم وهو حقيقة صبره تعالى فالذى عنه الامساك هو صفة الحلم والامساك هو الصبر وهو حبس العقوبة ففرق بين حبس العقوبة وبين ما صدر عنه حبسها فتأمله
وفى مسند الامام أحمد مرفوعا: "ما من يوم الا والبحر يستأذن ربه أن يغرق بنى آدم" وهذا مقتضى الطبيعة لأن كرة الماء تعلو كرة التراب بالطبع ولكن الله يمسكه بقدرته وحلمه وصبره
وكذلك خرور الجبال وتفطير السموات الرب تعالى يحبسها عن ذلك بصبره وحلمه فإن ما يأتى به الكفار والمشركون والفجار فى مقابلة العظمة والجلال والإكرام يقتضى ذلك فجعل سبحانه فى مقابلة هذه الاسباب أسبابا يحبها ويرضاها ويفرح بها أكمل فرح وأتمه تقابل تلك الأسباب التى هي سبب زوال العالم وخرابه فدفعت تلك الأسباب وقاومتها.
وكان هذا من آثار مدافعة رحمته لغضبه وغلبتها له وسبقها اياه فغلب اثر الرحمة أثر الغضب كما غلبت الرحمة الغضب ولهذا استعاذ النبى بصفة الرضا من صفة السخط وبفعل المعافاة من فعل العقوبة ثم جمع الامرين فى الذات اذ هما قائمان بها فقال أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من عقوبتك وأعوذ بك منك فإن ما يستعاذ به هو صادر عن مشيئته وخلقه بإذنه وقضائه فهو الذى أذن فى وقوع الاسباب التى يستعاذ منها خلقا وكونا فمنه السبب والمسبب وهو الذى حرك الانفس والابدان وأعطاها قوى التاثير وهو الذى أوجدها وأعدها ومدها وسلطها على ما شاء وهو الذى يمسكها إذا شاء ويحول بينها وبين قواها وتأثيرها.