وجماعة من الصحابه معه وهؤلاء نظروا الى آفات الدنيا وخشوا الفتنة بها وأولئك نظروا الى مصالح الانفاق وثمراته العاجلة والآجلة والفرقة الثالثة لم تختر شيئا بل كان اختيارها ما اختاره الله لها وكذلك اختيار طول البقاء فى الدنيا لاقامة دين الله وعبادته فطائفة اختارته وتمنته وطائفة أحبت الموت ولقاء الله والراحة من الدنيا وطائفة ثالثة لم تختر هذا ولا ذاك بل اختارت ما يختاره الله لها وكان اختيارهم معلقا بما يريده الله دون مراد معين منهم وهى حال الصديق رضى الله عنه فإنهم قالوا له فى مرض موته ألا ندعو لك الطبيب فقال قد رآنى فقالوا فما قال لك قال قال لى انى فعال لما أريد
والأولى حال موسى عليه السلام فإنه لما جاءه ملك الموت لطمه ففقأ عينه ولم يكن ذلك حبا منه للدنيا والعيش فيها ولكن لينفذ أوامر ربه ويقيم دينه ويجاهد أعداءه فكأنه قال لملك الموت أنت عبد مأمور وأنا عبد مأمور وأنا فى تنفيذ أوامر ربى وإقامة دينه فلما عرضت عليه الحياة الطويلة وعلم أن الموت بعدها اختار ما اختاره الله له
وأما نبينا صلوات الله وسلامه عليه فإن ربه أرسل إليه يخبره وكان أعلم الخلق بالله فعلم أن ربه تبارك وتعالى يحب لقاءه ويختاره له فاختار لقاء الله ولو علم أن ربه يحب له البقاء فى الدنيا لتنفيذ أوامره وإقامة دينه لما اختار غير ذلك فكان اختياره تابعا لاختيار ربه عز وجل فكما أنه لما خيره ربه عزوجل بين أن يكون ملكا نبيا وبين أن يكون عبدا نبيا وعلم أن ربه يختار له أن يكون عبدا نبيا اختار ما اختاره الله له فكان اختياره فى جميع أموره تابعا لاختيار الله له ولهذا يوم الحديبية احتمل ما احتمل من تلك الحال فى ذاك الوقت ووفى هذا المقام حقه ولم يثبت عليه من كل وجه إلا الصديق فلم يكن له اختيار فى سوى ما اختاره الله له ولأصحابه من تلك الحال التى تقرر الأمر عليها فكان راضيا بها مختارا لها مشاهدا اختيار ربه لها وهذا غاية العبودية فشكر الله له ذلك وجعل شكرانه ما