فاقتحموا حلقة السباق ولم يستوحشوا من قلة الرفاق وساروا فى ظهور العزائم ولم تأخذهم فى سيرهم لومة لائم والمتخلف فى ظل الشجرة نائم فوالله ما كان الا قليل حتى ذوت أغصان تلك الشجرة وتساقطت أوراقها وانقطع ثمرها ويبست فروعها وانقطع مشربها فقلعها قيمها من أصلها فأصبح أهلها فى حر السموم يتقلبون وعلى ما فاتهم من العيش فى ظلها يتحسرون أحرقها قيمها فصارت هى وما حولها نارا تلظى وأحاطت النار بمن تحتها فلم يستطع أحد منهم الخروج منها فقالوا أين الركب الذين استظلوا معنا تحت ظلها ثم راحوا وتركوه فقيل لهم ارفعوا أبصاركم تروا منازلهم فرأوهم من البعد فى قصور مدينة الملك وغرفها يتمتعون بأنواع اللذات فتضاعفت عليهم الحسرات ألا يكونوا معهم وزاد تضاعفها بأن حيل بينهم وبين ما يشتهون وقيل هذا جزاء المتخلفين {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}
المثال العشرون: ما مثلها به النبى من الثوب الذى شق وبقى معلقا بخيط فى آخره فما بقاء ذلك الخيط قال ابن أبى الدنيا حدثنى الفضل بن جعفر حدثنا وهب بن حماد حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا أبو سعيد خلف بن حبيب عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله: "مثل هذه الدنيا مثل ثوب شق من أوله الى أخره فبقى معلقا بخيط فى آخره فيوشك ذلك الخيط أن ينقطع".
وان أردت لهذا المثل زيادة ايضاح فانظر الى ما رواه أحمد فى مسنده من حديث أبى نظرة عن أبى سعيد قال صلى بنا رسول الله العصر نهارا ثم قام فخطبنا فلم يترك شيئا قبل قيام الساعة الا اخبر به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه وجعل الناس يلتفتون الى الشمس هل بقى منها شئ فقال ألا انه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها الا كما بقى من يومكم هذا فيما مضى منه روى حفص بن غياث عن ليث عن المغيرة بن حكيم عن ابن عمر