من عبادى من لا يصلحه الا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وان من عبادى من لا يصلحه الا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وان من عبادى من لا يصلحه الا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك وان من عبادى من لا يصلحه الا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك انى أدبر عبادى انى بهم خبير بصير".
وقد صح عن النبى أنه قال: "ان فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل الاغنياء" وفى الحديث الآخر لما علم الفقراء الذكر عقب الصلاة سمع بذلك الاغنياء فقالوا مثل ما قالوا فذكر ذلك الفقراء للنبى فقال {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} فالفقراء يتقدمون فى دخول الجنة لخفة الحساب عليهم والاغنياء يؤخرون لأجل الحساب عليهم ثم اذا حوسب أحدهم فإن كانت حسناته أعظم من حسنات الفقير كانت درجته فى الجنة فوقه وان تأخر فى الدخول كما أن السبعين الفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ومنهم عكاشه بن محصن قد يدخل الجنة بحساب من يكون أفضل من أحدهم فى الدرجات لكن أولئك استراحوا من تعب الحساب فهذا فى الفقر المذكور فى الكتاب والسنة وهو ضد الغنى الذى يبيح أخذ الزكاة أو الذى لا يوجب الزكاة
ثم قد صار فى اصطلاح كثير من الناس الفقر عبارة عن الزهد والعبادة والاخلاق ويسمون من اتصف بذلك فقيرا وان كان ذا مال ومن لم يتصف بذلك قالوا ليس بفقير وان لم يكن له مال وقد يسمى هذا المعنى تصوفا ومن الناس من يفرق بين مسمى الفقير والصوفى ثم من هؤلاء من يجعل مسمى الفقير أفضل ومنهم من يجعل مسمى الصوفى أفضل والتحقيق فى هذا الباب أنه لا ينظر الى الالفاظ المحدثة بل ينظر الى ما جاء به الكتاب والسنة من الاسماء والمعانى والله قد جعل وصف أوليائه الايمان والتقوى فمن كان نصيبه من ذلك أعظم كان أفضل والاغنياء بما سوى ذلك والله أعلم