الفقير الزاهد فقد استراح من هذا الداء والدواء وتوفرت قوته على استفراغ الوسع في حصول المقصود
ثم أوردوا على أنفسهم سؤالا فقالوا فإن قيل فقد حث الشرع على الاعمال وانفصلوا عنه بأن قالوا الطبيب اذا أثنى على الدواء لم يدل على أن الدواء يراد لعينه ولا أنه أفضل من الشفاء الحاصل به ولكن الاعمال علاج لمرض القلوب ومرض القلوب مما لا يشعر به غالبا فوقع الحث على العمل المقصود وهو شفاء القلب فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل كالحجام يستخرج منك الدم المهلك
قالوا واذا عرف هذا عرف أن حال الصابر حال المحافظ على الصحة والقوة وحال الشاكر حال المتداوى بأنواع الأدوية لإزالة مواد السقم فصل قال الشاكرون لقد تعديتم طوركم وفضلتم مقاما غيره أفضل منه وقدمتم الوسيلة على الغاية والمطلوب لغيره على المطلوب لنفسه والعمل الكامل على الأكمل والفاضل على الأفضل ولم تعرفوا للشكر حقه ولا وفيتموه مرتبته وقد قرن تعالى ذكره الذى هو المراد من الخلق بذكره وكلاهما هو المراد بالخلق والأمر والصبر خادم لهما ووسيلة اليهما وعونا عليهما قال تعالى اذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون
وقرن سبحانه الشكر بالإيمان وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} أى ان وفيتم ما خلقتم له وهو الشكر والايمان فما أصنع بعذابكم
هذا وأخبر سبحانه أن أهل الشكر هم المخصوصون بمنته عليهم من بين عباده فقال {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ