" فصل " وكان فريد الطور، بعيد الغور، لا يدرك لبحر تفكيره قعر، ولا يسلك في طود تدبيره سهل ولا وعر، وقد أقعد في ممالكه نواميسه، وأقام في سائر الممالك جواسيسه، وهم ما بين أمير كأطلاميش أحد أعوانه، وفقيه فقير كمسعود الكمججاني عين أصحاب ديوانه، وكان ذلك في القاهرة المعزية، وهذا بدمشق أحد الصوفية بالسميساطية، وما بين متسبب وتاجر، ومصارع شرير وبهلوان فاجر، ومكد وصنائعي، ومنجم وطبائعي، وقلندري قوال، وحيدري جوال، وبحري سباح، وبري سياح، وسقاء ظريف، وحذاء لطيف، وسعلاة دلالة، وشيخة محتالة، كدلة المحتالة، ومن مرت به التجارب، وضرب أكباد الإبل مشارق ومغارب، وبلغ فيما هو بصدده من المكر والاحتيال، منزلة الكمال، وألف بلطيف ختله ودهاءه بين الماء والنار والهدى والضلال، وجاوز في الحيل والكيد ساسان وأبازيد وألزم في حكمته وجدله ابن سينا وأسكت في منطقه اليونانيين إذ عكس عليهم القضايا، فجمع بين المتنافيين، وألف بين المتعاديين