- غزوة بلنجرد (?) (سنة 32 هـ/ 653 م) :

بلنجرد: مدينة الخزَر خلف باب الأبواب.

ذكرنا في كتاب "الفاروق عمر بن الخطاب" أن عبد الرحمن بن ربيعة (?) زحف بجيشه (يريد بلنجرد) (?) فخافهم الترك في أول الأمر وقالوا: إن هؤلاء أي العرب ملائكة لا يعمل فيهم السلاح. فاتفق أن تركياً اختفى في غيضة (?) ورشق مسلماً بسهم فقتله. فنادى في قومه أن هؤلاء يموتون، كما تموتون، فلا تخافوهم. فاجترأوا عليهم، وأوقعوا بهم حتى استشهد عبد الرحمن بن ربيعة، وأخذ الراية أخوه، ولم يزل يقاتل حتى أمكنه دفن أخيه بنواحي بلنجرد، ورجع بقية المسلمين على طريق جيلان.

وفي سنة 32 هـ انتصرت الخزر والترك على المسلمين، وسببه أن الغزوات لما تتابعت عليهم تذامروا (?) وقالوا: كنا لا يُقرن بنا أحد حتى جاءت هذه الأمة "العربية" فصرنا لا نقوم لها.

لما قتل عبد الرحمن بن ربيعة وانهزم المسلمون افترقوا فرقتين فرقة نحو الباب، فلقوا سلمان بن ربيعة أخا عبد الرحمن، كان قد سيره سعيد بن العاص مدداً للمسلمين بأمر عثمان، فلما لقوه نجوا معه. وفرقة نحو جيلان وجرجان، فيهم سلمان الفارسي (?) وأبو -[105]- هريرة (?) ، وكان في ذلك العسكر يزيد بن معاوية النخعي (?) ، وعلقمة بن قيس (?) ، ومعضد -[106]- الشيباني، وأبو مفرز التميمي في خباء واحد، وخالد بن ربيعة، والحلحان ابن دري، والقرثع في خباء، فكانوا متجاورين في ذلك العسكر. وكان القرثع يقول: ما أحسن لمع الدماء على الثياب. وكان عمرو بن عتبة يقول لقباء عليه أبيض: ما أحسن حمرة الدماء على بياضك، ورأى يزيد بن معاوية في منامه أن غزالاً جيء به لم ير أحسن منه فلف في ملحفة، ثم دفن في قبر لم ير أحسن منه، عليه أربعة نفر قعوداً، فلما استيقظ واقتتل الناس رمي بحجر فهشم رأسه فمات فكأنما زين ثوبه بالدماء وليس بتلطيخ، فدفن في قبر على الصورة التي رأى. وقال معضد لعلقمة: أعرني بردك أعصب به رأسي، ففعل، فأتى برج بلنجرد الذي أصيب فيه يزيد فرماهم فقتل منهم. وأتاه حجر عرّادة (?) ففضخ هامته فأخذه أصحابه، فدفنوه إلى جنب يزيد، وأخذ علقمة البرد فكان يغسله، فلا يخرج أثر الدم منه. وكان يشهد فيه الجمعة، ويقول: يحملني على هذا أن دم معضد فيه. وأصاب عمرو بن عتبة جراحة فرأى قباءه كما اشتهى ثم قتل، وأما القرثع فإنه قاتل حتى خرق بالحراب. فبلغ الخبر بذلك إلى عثمان فقال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، انتكث أهل الكوفة. اللَّهم تب عليهم وأقبل بهم.

وكان عثمان قد كتب إلى سعيد بن العاص أن ينفذ سلمان إلى الباب للغزو فسيره، فلقي المهزومين على ما تقدم، فنجاهم اللَّه به. فلما أصيب عبد الرحمن استعمل سلمان بن ربيعة على الباب واستعمل على الغزو بأهل الكوفة حذيفة بن اليمان وأمدَّهم عثمان بأهل الشام. عليهم حبيب بن مسلمة فتأمر عليه سلمان وأبى حبيب حتى قال أهل الشام: لقد هممنا بضرب سلمان. فقال الكوفيون: إذن، واللَّه نضرب حبيباً ونحبسه، وإن أبيتم كثرت القتلى فينا وفيكم (?) ، وأراد حبيب أن يتأمر على صاحب الباب كما يتأمر أمير الجيش إذا جاء من الكوفة، فكان ذلك أول -[107]- خلاف وقع بين أهل الكوفة، وغزا حذيفة ثلاث غزوات، فقتل عثمان في الثالثة، ولقيهم مقتل عثمان. فقال حذيفة بن اليمان: "اللَّهم العن قتلته وشتَّامه، اللَّهم إنا كنا نعاتبه ويعاتبنا فاتخذوا ذلك سلماً إلى الفتنة، اللَّهم لا تمتهم إلا بالسيوف".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015