- فتح خراسان (?) (سنة 34 هـ/ 652 م) : -[95]-

لما قتل عمر بن الخطاب نقض أهل خراسان وغدروا، فلما استخلف عثمان بن عفان ولَّى عبد اللَّه بن عامر بن كريز البصرة في سنة 28. ويقال 29، وهو ابن 25 سنة، وهو ابن خال عثمان بن عفان، ولد على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان كريماً، ميمون النقيبة (?) ، فافتتح من أهل فارس ما افتتح، ثم غزا خراسان، واستخلف على البصرة زياد بن أبي سفيان (?) ، وسار إلى كرمان (?) فاستعمل عليها مجاشع بن مسعود السلمي، وأمره بمحاربة أهلها، وكانوا قد نكثوا، واستعمل على سجستان (?) الربيع بن زياد الحارثي، وكانوا أيضاً قد نقضوا الصلح، وسار ابن عامر إلى نيسابور، وجعل على مقدمته الأحنف بن قيس (?) ، فأتى الطبَسين، وهما حصنان، وهما بابا -[96]- خراسان، فصالحه أهلها على 600. 000 درهم، وسار إلى قهستان، فلقيه أهلها، وقاتلهم حتى ألجأهم إلى حصنهم. وبعث ابن عامر سرية إلى رستاق زام من أعمال نيسابور، ففتحه عنوة، وفتح باخرْز (?) ، من أعمال نيسابور أيضاً، وفتح جُوَين (?) ، وسبى سبياً، ووجَّه ابن عامر الأسود بن كلثوم العدوي من عديِّ الرباب، وكان ناسكاً، إلى بيهق من أعمال نيسابور، فدخل حيطان البلد من ثلمة كانت فيها، ودخلت معه طائفة من المسلمين، فأخذ العدو عليهم تلك الثلمة، فقاتل الأسود حتى قتل هو، وطائفة ممن معه. وقام بأمر المسلمين بعده أخوه أدهم بن كلثوم فظفر، وفتح بيهق (?) ، وكان الأسود يدعو إلى اللَّه أن يحشره من بطون السباع والطير، فلم يواره أخوه، ودفن من استشهد من أصحابه. وفتح ابن عامر بُشت (?) من نيسابور وأشبَنذ ورُخَّ وزاره وخوَاف وأسفرائن وأرغيان (?) من نيسابور، ثم أتى أبرشهر وهي مدينة نيسابور، فحصر أهلها أشهراً، وكان على كل ربع منها رجل موكل به، وطلب صاحب ربع من تلك الأرباع الأمان على أن يدخل المسلمين المدينة، فأعطاه وأدخلهم إياها ليلاً، ففتحوا الباب، وتحصَّن مرزبانها في القهندز (?) ، ومعه جماعة. وطلب الأمان على أن يصالحه عن جميع نيسابور على وظيفة يؤديها، فصالحه على ألف ألف درهم، وولي نيسابور حين فتحها قيس بن الهيثم السلمي (?) ، ووجَّه ابن عامر عبد اللَّه بن خازم السلمي (?) إلى حُمراندر من -[97]- نسا (?) ، وهو رستاق قرية ففتحه، وأتاه صاحب نسا فصالحه على 300. 000 درهم. ويقال: على احتمال الأرض من الخراج على أن لا يقتل أحداً ولا يسبيه. وقدم بهمنة عظيم أبيورد (?) على ابن عامر فصالحه على 400. 000 درهم، ويقال وجه إليها ابن عامر عبد اللَّه بن خازم فصالح أهلها على 400. 000 درهم، ووجَّه عبد اللَّه بن عامر عبد اللَّه بن خازم إلى سَرَخْس (?) فقاتلهم، ثم طلب زاذويه مرزبانها الصلح على تأمين مائة رجل، وأن يدفع إليه النساء، فصارت ابنته في سهم خازم، واتخذها وسماها مَيساء، وغلب ابن خازم على أرض سرخس، ويقال: إنه صالحه على أن يؤمن مائة نفس فسمَّى له المائة، ولم يسم نفسه فقتله ودخل سَرخس عنوة، ووجه ابن خازم من سرخس يزيد بن سالم مولى شريك بن الأعور إلى كيف وبينة ففتحهما. وأتى كنازتك مرزبان طوس ابن عامر فصالحه على طوس على 600. 000، ووجَّه ابن عامر جيشاً إلى هراة عليه أوس ابن ثعلبة ويقال: خُليد بن عبد اللَّه الحنفي، فبلغ عظيم هراة ذلك فشخص إلى ابن عامر، وصالحه على هراة وبادغيس وبوشنج غير طاغون وباغون فإنه فتحهما عنوة، وكتب له ابن عامر: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم. هذا ما أمر به عبد اللَّه بن عامر عظيم بوشنج وبادغيس. أمره بتقوى اللَّه ومناصحة المسلمين وإصلاح ما تحت يديه من الأرضين، وصالحه على هَراة. سهلها وجبلها على أن يؤدي من الجزية ما صالحه عليه، وأن يقسم ذلك على الأرضين عدلاً بينهم، فمن منع ما عليه فلا عهد له ولا ذمة. وكتب ربيع بن نهشل وجثم بن عامر" (?) .

وأرسل مرزبان مرو الشاهجان يسأل الصلح، فوجَّه ابن عامر إلى مرو حاتم بن النعمان الباهلي، فصالحه على ألف ألف ومائتي ألف درهم. وكان في صلحهم أن يوسعوا للمسلمين في منازلهم وأن عليهم قسمة المال، وليس على المسلمين إلا قبض ذلك. وكانت مرو صلحاً كلها -[98]- إلا قرية منها يقال لها: السنج، فإنها أخذت عنوة. ووجَّه عبد اللَّه ابن عامر الأحنف، وهو حصن من مرو الروذ وله رستاق عظيم يعرف برستاق الأحنف، ويدعى بشق الجرد. فحصر أهله، فصالحوه على 300,000. فقال الأحنف: أصالحكم على أن يدخل رجل منا القصر فيؤذن فيه ويقيم فيكم حتى أنصرف، فرضوا، وكان الصلح عن جميع الرستاق، ومضى الأحنف إلى مرو الروذ، فحصر أهلها، وقاتلوه قتالاً شديداً، فهزمهم المسلمون، فاضطروهم إلى حصنهم، وكان المرزبان من ولد باذام صاحب اليمن أو ذا قرابة له، فكتب إلى الأحنف أنه دعاني إلى الصلح إسلام باذام، فصالحه على 600. 000. ووجَّه الأحنف الأقرع بن حابس التميمي (?) في خيل، وقال: "يا بني تميم تحابوا وتباذلوا تعتدل أموركم، وابدأوا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم، ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم". فسار الأقرع، فلقي العدو بالجوزجان (?) فكانت في المسلمين جولة ثم كرّوا فهزموهم، وفتحوا الجوزجان عنوة.

وفتح الأحنف الطالقان صلحاً، وفتح الفارياب، ثم سار الأحنف إلى بلخ، وهي مدينة طخارا فصالحهم أهلها على 400. 000، فاستعمل على بلخ أرسيد بن المتشمس، ثم سار إلى خوارزم، وهي من سقي النهر جميعاً ومدينتها شرقية فلم يقدر عليها فانصرف إلى بلخ وقد جبى أرسيد صلحها.

قال أبو عبيدة: فتح ابن عامر ما دون النهر، فلما بلغ أهل ما وراء النهر أمره طلبوا إليه أن يصالحهم ففعل. فيقال: إنه عبر النهر حتى أتى جميع مواضعه. وقيل بل أتوه وصالحوه، وبعث من قبض ذلك، فأتته الدواب، والوصفاء، والوصائف، والحرير، والثياب. ثم إنه أحرم شكراً للَّه.

ولما تم لابن عامر هذا الفتح قال له الناس: ما فتح لأحد ما فتح عليك، فارس وكرمان وسجستان وخراسان. فقال: لا جرم لأجعلن شكري للَّه على ذلك أن أخرج محرماً من موقفي -[99]- هذا فأحرم بعمرة من نيسابور. وقدم على عثمان واستخلف على خراسان قيس بن الهيثم.

جميع هذه المدن والقرى التي مر ذكرها هي بخراسان. ولما كانت فارسية فقد يستغربها القارئ ويصعب عليه النطق بها، وقد اضطررت إلى ذكرها، لأن المسلمين فتحوها تحت قيادة عبد اللَّه بن عامر، وفتح أغلبها صلحاً، لأنهم لم يستطيعوا مقاومة المسلمين، وقد قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015