- عزل عمرو بن العاص عن مصر (?) وفتح أفريقية (سنة 26 هـ/ 647 م) :

لما ولي عثمان أقر عمرو بن العاص على عمله، وكان لا يعزل أحداً إلا عن شكاة، أو استعفاء من غير شكاة، ثم عزل عمرو بن العاص عن خراج مصر، واستعمل عليه عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح أمير الصعيد في زمن عمر بن الخطاب.

كان عمرو بن العاص صاحب السلطة في مصر زمن عمر رضي اللَّه عنه، فكان قائد الجيش، وصاحب الخراج، لكن عمر كان يستبطئ عمراً في جمع الخراج، ويستقل ما يجبيه من مصر. ومما كتبه له في هذا الشأن: "وأعجب ما عجبت أنها - أي مصر - لا تؤدي نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غير قحط ولا جدب". لكن يلاحظ أن عمرو بن العاص ألغى كثيراً من الضرائب التي كانت تجبى في عهد الدولة الرومانية، وكانت سبب شكوى المصريين وتألمهم من الحكم الروماني.

وعلى كل حال لم يفكر عمر بن الخطاب في نزع الخراج من عمرو وقصره على الحرب مع تشدده عليه في جباية الخراج. فلما ولي عثمان رأى إسناد الخراج إلى عبد اللَّه بن سعد أبي سرح (?) وكان أخا عثمان من الرضاعة (أرضعت أمه عثمان) ، فكتب عبد اللَّه إلى عثمان يقول: إن عمراً كسر عليَّ الخراج، وكتب عمرو يقول: إن عبد الله قد كسر عليَّ مكيدة الحرب، فعزل عثمان عمراً واستقدمه واستعمل بدله عبد اللَّه على حرب مصر وخراجها، أي أنه أعطاه السلطة التي كانت مخولة لعمرو من قبل، فقدم عمرو مغضباً، فدخل على عثمان وعليه جبة محشوة فقال: ما حشو جبتك؟ قال: عمرو، فقال عثمان: قد علمت أن حشوها عمرو ولم أرد هذا، إنما سألتك أقطن هو أم غيره؟ ثم بعث عبد اللَّه بن سعد إلى عثمان بمال من مصر قد حشد فيه، فدخل عمرو على عثمان فقال عثمان: يا عمرو هل تعلم أن تلك اللقاح (?) درَّت بعدك؟ فقال عمرو: إن فصالها هلكت. يريد عثمان أن مصر قد كثر خراجها على يد عبد اللَّه بن سعد، فقال له عمرو: إن فصالها هلكت أي أن أولاد اللقاح قد هلكت بحرمانها من اللبن، يريد أن في ذلك إرهاقاً لأهالي مصر وتحميلهم ما لا يطاق -[61]-.

وهذه الزيادة التي أخذها عبد اللَّه، إنما هي على الجماجم فإنه أخذ عن كل رأس ديناراً خراجاً عن الخراج فحصل لأهل مصر بسبب ذلك الضرر الشامل. وكانت هذه أول شدة وقعت لأهل مصر في مبتدأ الإسلام، ويقال: إن عبد اللَّه جبى خراج مصر في تلك السنة 14. 000. 000 ديناراً بعد أن كان 12. 000. 000 زمن عمرو بن العاص، وهذا ما دعا عثمان رضي اللَّه عنه إلى توجيه اللوم إلى عمرو، فكان جوابه ما ذكر.

كان عبد اللَّه من جند مصر، وكان قد أمره عثمان بغزو أفريقية سنة خمس وعشرين وقال له عثمان: إن فتح اللَّه عليك فلك من الفيء خمس الخمس نفلاً. وأمر عبد اللَّه بن نافع بن عبد القيس وعبد اللَّه بن نافع بن الحارث (?) على جند وسرّحهما، وأمرهما بالاجتماع مع عبد اللَّه بن سعد صاحب أفريقية، ثم يقيم عبد اللَّه في عمله، فخرجوا حتى قطعوا أرض مصر، وكان من بين الجيش الذي أرسله عثمان جماعة من أعيان الصحابة منهم: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو بن العاص، وابن جعفر، والحسن، والحسين، فسار بهم عبد اللَّه بن سعد إلى أن وصلوا برقة فلقيهم عقبة بن نافع (?) فيمن معه من المسلمين، وساروا إلى طرابلس الغرب في جيش عدده -[62]- 40. 000 فنهبوا من عندَها من الروم، وسار نحو شمال أفريقية وبث السرايا في كل ناحية، وكان ملكهم اسمه جرجير (Greaorius) وملكه من طرابلس إلى طنجة (?) فلما بلغه خبر المسلمين، تجهَّز وجمع العساكر وأهالي البلاد من قبائل البربر غير المدربين على القتال فبلغ عسكره 120. 000، والتقى هو والمسلمون في مكان بينه وبين سُبَيطلة يوم وليلة، وهذه المدينة كانت في ذلك الوقت دار الملك (Sujetula) ، بينها وبين القيروان سبعون ميلاً، وكان بها حصن قوي، فأقاموا هناك يقتتلون كل يوم. وراسله عبد اللَّه بن سعد يدعوه إلى الإسلام، أو الجزية فامتنع منهما وتكبَّر عن قبول أحدهما. وقيل: كان عدد جيش المسلمين 20. 000 وانقطع خبر المسلمين عن عثمان فسيَّر عبد اللَّه بن الزبير (?) في جماعة إليهم ليأتيه بأخبارهم. فسار مجدّاً ووصل إليهم، وأقام، ولما وصل كثر الصياح والتكبير في المسلمين، فسأل جرجير عن الخبر! فقيل: قد أتاهم عسكر ففت ذلك في عضده. ورأى عبد اللَّه بن الزبير قتال المسلمين كل يوم من الصباح إلى الظهر فإذا أذن بالظهر عاد كل فريق إلى خيامه وشهد القتال من الغد فلم يرَ ابن أبي سرح معهم، فسأل عنه، فقيل: إنه -[63]- سمع منادي جرجير يقول: من قتل عبد اللَّه بن سعد، فله مائة ألف دينار وأزوَّجه ابنتي، وهو يخاف. فحضر عنده (في خيمته) وقال له: تأمر منادياً ينادي من أتاني برأس جرجير نفلته مائة ألف، وزوَّجته ابنتك، واستعملته على بلاده، ففعل ذلك، فصار جرجير يخاف أشد من عبد اللَّه.

ثم إن عبد اللَّه بن الزبير قال لعبد اللَّه بن سعد: إن أمرنا يطول مع هؤلاء وهم في أمداد متصلة وبلادهم لهم، ونحن منقطعون عن المسلمين وبلادهم، وقد رأيت أن نترك غداً جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهبين ونقاتل نحن الروم في باقي العسكر إلى أن يضجروا أو يملوا، فإذا رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون ركب من كان في الخيام من المسلمين ولم يشهدوا القتال وهم مستريحون، ونقصدهم على غرة، فلعل اللَّه ينصرنا عليهم. فأحضر جماعة من أعيان الصحابة واستشارهم، فوافقوه على ذلك، فلما كان الغد فعل عبد اللَّه ما اتفقوا عليه، وأقام جميع شجعان المسلمين في خيامهم وخيولهم عندهم مسرجة، ومضى الباقون فقاتلوا الروم إلى الظهر قتالاً شديداً. فلما أذن بالظهر همَّ الروم بالانصراف على العادة فلم يمكنهم ابن الزبير وألح عليهم بالقتال حتى أتعبهم، ثم عاد عنهم هو والمسلمون فكل من الطرفين ألقى سلاحه ووقع تعباً فعند ذلك أخذ عبد اللَّه بن الزبير من كان مستريحاً من شجعان المسلمين وقصد الروم، فلم يشعروا بهم حتى خالطوهم وحملوا عليهم حملة رجل واحد وكبَّروا فلم يتمكن الروم من لبس السلاح حتى غشيهم المسلمون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015