- خلافة عثمان رضي اللَّه عنه (سنة 24 هـ/ 644 م) : -[42]-.

كانت مبايعة عثمان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة 23 هـ، واستقبل الخلافة في المحرم سنة 24 هـ، وقيل لهذه السنة عام الرُّعاف (?) ، لأنه كثر فيها الرُّعاف (?) في الناس، ولي عثمان الخلافة وعمره 68 عاماً ميلادياً، أو 70 عاماً هجرياً، أي أنه كان في سن الشيخوخة (?) ، وقد كان عمر رضي اللَّه عنه يخشى أن يميل الخليفة بعده إلى أقاربه، ويحابيهم، ويحرم ذوي الكفايات فتسوء الحال، فقال لعليّ: إن وليت من أمر المؤمنين شيئاً فلا تحملن بني عبد المطلب على رقاب الناس. وقال لعثمان: يا عثمان إن وليت من أمر المسلمين شيئاً فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس. وكذلك قال لعبد الرحمن بن عوف: فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحمل ذوي قرابتك على رقاب الناس.

أما أبو بكر رضي اللَّه عنه فإنه قال لما اختار عمر للخلافة: "أترضون بمن أستخلف عليكم فإني واللَّه ما ألوت من جهد الرأي ولا وليت ذا قرابة، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوه" (?) .

ثم إن عمر احتاط فأوصى الخليفة بعده بأن يبقى عماله سنة وليس في وسعه أن يفعل أكثر من ذلك، ولندع ذلك الآن إلى فرصة أخرى.

لما بويع عثمان خرج إلى الناس وأراد أن يخطبهم فأُرْتِجَ عليه، ثم قال بعد أن حمد اللَّه وأثنى عليه:

"أيها الناس إن أول مركب صعب، وإن بعد اليوم أياماً، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها، وما كنا خطباء وسُيعَلّمنا اللَّه" لكنه خطبهم خطبة أخرى ذكرها الطبري (?) فقال: -[43]-.

"إنكم في دار قلعة وفي بقية أعمار فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه فلقد أتيتم صُبّحتهم أو مُسيّتم. ألا وإن الدنيا طويت على الغرور فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم باللَّه الغرور. اعتبروا بمن مضى. ثم جدوا ولا تغفلوا، فإنه لا يغفل عنكم. أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين أثاروها وعمروها ومتعوا بها طويلاً؟ ألم تلفظهم؟ ارموا بالدنيا حيث رمى اللَّه بها، واطلبوا الآخرة فإن اللَّه قد ضرب لها مثلاً والذي هو خير فقال: {وَاضْرِبْ لَهمُ مَثَلَ اَلحْيَاةِ الدُنْيَا كَمَاء أنْزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ تَذْرُوْهُ الرَّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً} إلى قوله أملاً [الكهف: 45] وهذه خطبة كما يراها القارئ في الزهد واحتقار الدنيا وعدم الركون إليها.

وأول ما فعل عثمان رضي اللَّه عنه بعد البيعة، أنه جلس في جانب المسجد ودعا عبيد اللَّه بن عمر بن الخطاب (?) ، وكان قد قتل جماعة من الذين تسببوا في قتل أبيه وشاور الأنصار في أمره وأشار عليّ بقتله. فقال عمرو بن العاص: لا يقتل عمر بالأمس، ويقتل ابنه اليوم. فجعلها عثمان دية واحتملها وقال: أنا وليه.

وكان زياد بن لبيد البياضي الأنصاري إذا رأى عبيد اللَّه يقول:

ألا يا عبيد اللَّه ما لك مهرب ... ولا ملجأ من ابن أروى ولا خفر

أصبت دماً واللَّه في غير حله ... حراماً وقتل الهرمزان له خطر

على غير شيء غير أن قال قائل ... أتتهمون الهرمزان على عمر

فقال سفيه والحوادث جمة ... نعم أتهمه قد أشار وقد أمر

وكان سلاح العبد في جوف بيته ... يقلبها والأمر بالأمر يعتبر

كان الهرمزان (?) من قواد الفرس، وقد أسره المسلمون بتستر وأرسلوه إلى المدينة في خلافة عمر بن الخطاب، فلما رأى عمر سأل: أين حرسه وحجابه؟ قالوا: ليس له حارس ولا حاجب، ولا كاتب، ولا ديوان فقال: "ينبغي له أن يكون نبياً"، ثم أسلم وفرض له عمر ألفين وأنزله بالمدينة. وقيل: إن السكين التي قتل بها عمر رؤيت قبل قتله عند الهرمزان فلما بلغ عبيد -[44]- اللَّه بن عمر ذلك ذهب إليه وقتله، فهذا هو الهرمزان المذكور في شعر زياد بن لبيد. فشكا عبيد اللَّه إلى عثمان زياد بن لبيد فنهى عثمان زياداً فقال في عثمان:

أبا عمرو عبيد اللَّه رهن ... فلا تشكك بقتل الهْرْمزان

أتعفو إذ عفوت بغير حق ... فما لك بالذي تحكي يدان

فدعا عثمان زياداً فنهاه وشذ به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015