فإن لم يجب داعي الله ويؤمن برسالاته فإن عمله ينصرف قطعا إلى ضد ذلك، أي أنه إن لم يكن عابدا لله فإنه عابد للشيطان لا محالة «ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين. وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم» [يس: 60، 61] .

وهذا هو مفترق الطريق بين شطري الجماعة الإنسانية "المؤمنين والكافرين".

وذلك أن حكمة الله تعالى في خلق الإنسان اقتضت أن يكون أمام الإنسان طريقان مختلفان؛ طريق الكفر وطريق الإيمان، وأن يسير في أيهما شاء ابتلاء له وامتحانا «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» [الكهف: 29] .

وكذا مقتضى ذلك أن جعل للنفس البشرية في حركتها الجبلِّية الدائبة مصدرين متنافرين يمدانها بالطاقة والحركة بين حين وآخر - هما:

1 - ذكر الله بالمعنى الشامل له، ومنه تدبر القرآن والتفكر في المخلوقات والآلاء والعلم النافع، وكل ما من شأنه أن يزكيها ويوقظها ويصلح خلجاتها وخواطرها، وما يقذفه " الملك " فيها من تصديق بالحق وإيعاد بالخير.

2 - وسوسة الشيطان الذي يعبث بها ويغرها ويلهيها ويزين لها ويمكر بها، ويقذف فيها التكذيب بالحق والإيعاد بالشر (?) .

فللملك لمة وللشيطان لمة. والنفس كالرحى الدائرة؛ إما أن تستمد وقودها وطحينها من هذا أو من هذا ولا تقف عن العمل قط.

وهذه القضية وما يترتب عليها من قضايا تحدث عنها علماء الإسلام الربانيون، متخذينها منطلقا لإيضاح حقائق كبرى في معاملات القلوب مع الله تعالى وأسلوب تزكيتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015