نقص الإيمان بمعصية أخرى. وهي قاعدة لم تثبت من خلال موعظة في مسجد ولا محاضرة في جامعة وإنما هو موقف مهول كهذا الموقف.. ثم نطوي - كذلك - أحداثاً جساماً ووقائع شاهدات للنتقل إلى غزوة تبوك (?) .
إنها لبادرة فجائية كبرى في تاريخ الإنسانية أن يخرج جيش من قبائل العرب ينازل الإمبراطورية الرومانية - أكبر إمبراطوريات الأرض يومئذ عتواً وأكثرها حضارة -، إنه لحدث ما كان العرب من قبل يحلمون به، ولا كان الروم يتوقعونه ولو في الخيال!
وإن في هذا وحدة لدلالة كبرى على الطبيعة الجهادية لهذا الدين، والحقيقة الإيمانية التي يبنيها في قلوب أتباعه.
ولكن هناك دلالة أكبر من هذا وأعظم؛ ذلك أن هذه البادرة الكبرى ما هي إلا مظهر وثمرة لجهد داخلي عظيم، وخطوة على طريق هائل كبير لم يتوقف دفعة واحدة إلا على "بلاط الشهداء" وأسوار القسطنطينية.
فالجماعة المؤمنة وصلت في آفاق التزكية الإيمانية وقمم الجهاد - بكل معانيه - إلى غاية لم تبلغها قبلها جماعة قط، وهذه الغزوة تمحيص نهائي وترقية عليا لها، واستئصال جذري للطفيليات المحسوبة عليها وليست منها (?) .
جيش قوامه ثلاثون ألفاً (?) ، لا يتخلف منه عن هذه الغزوة الشاقة المجهدة إلا ثلاثة نفر! .
ثم هؤلاء يتعرضون لمحنة رهيبة يصفها الله سبحانه وتعالى بأنها وصلت إلى حد أن: «ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ» (?) .
وتقتضي حكمة الله البالغة أن يكون هؤلاء الثلاثة من السابقين الأولين - اثنان منهما شهدا بدراً (?) "مرارة وهلال"، والثالث "كعب" شهد العقبة، ليكون ذلك أبلغ وأشد وقعاً في نفوس قوم ربما كانت أنفسهم قد حدثتهم بالتخلف وهم من مؤخرة القافلة.