ونختم هذا المبحث بذكر موضع مهم من المواضع التي قرن فيها العمل بالإيمان، للدلالة على التركيب والتلازم، وهو قوله تعالى: «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا» (النساء:124)
ووجه الأهمية أن الله تعالى ذكر ذلك ضمن الرد على دعوى الإيمان بالتسمى والقول، دون إصلاح العمل، ورد على من يزعم هذه الدعوى سواء أكان كتابيا أم حنفيا، فقال قبلها: «لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا» (النساء:123)
وقال بعدها: «وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا» (النساء:125)
فبين ان الإيمان ليس بالتحلى ولا بالتمنى، بل ما وقر فى القلب وصدقه العمل، وأنه لا أحد أحسن دينا ممن أسلم: أى انقاد وأطاع بلا حرج ولا منازعة وهذه هى ملة إبراهيم، التي لا يقبل الله دينا غيرها مهما كثرت الأمانى والدعاوى.
خامسا: الأحاديث فى ذلك:
وردت أحاديث صحيحة كثيرة تدل على حقيقة الإيمان المركبة وقد سبق أن أوردنا منها ما يدل على أن العمل إيمان، والإيمان عمل وهذه أهمها.
1 - حديث جبريل عليه السلام المشهور:
وهو حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر عن أبيه، وعن أبى هريرة، والأولى أتم، وهذه رواية مسلم:
قال عبد الله بن عمر - بعد مقدمة عن القدرية التي هى سبب الحديث -:
" حدثنى أبى عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن عند الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد منا، حتى جلس إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه، ووضع فخذيه.