بل المتكلمون أنفسهم كانوا على هذا الأصل حتى مال بعضهم إلى كلام الفلاسفة المنتسبين للإسلام فأصابتهم لوثتهم (?) .
أما الأصوليين فلم يكونوا يدخلون المنطق في مباحثهم أصلا، ولهذا عاب العلماء على أبي حامد الغزالي أنه فعل ذلك في أول المستصفى، وقال: إنه مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط به فلا ثقة بعلومه أصلاً (?) ، ثم تلاه من تلاه.
والمقصود أن القدماء من علماء النحو والأصول - وهما من أهم علوم الوسائل - كانوا يعرفون الشيء بما يميزه عن غيره؛ كالتعريف بالمثال؛ فيقول النحويون: الفعل مثل: ضرب، والاسم مثل: زيد، والحرف مثل: في وهكذا.
ويقول الأصوليون: الأمر مثل: أقيموا الصلاة، والنهي مثل: لا تقربوا الزنا، والعام مثل: كذا، والخاص مثل: كذا ... وهكذا.
فلما فسدت الفطر والعقول على النحو الذي عبر عنه الإمام الشافعي بقوله: " ما جهل الناس واختلفوا إلا لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطا طاليس " (?) ظهر الاضطراب والاختلافات الكثيرة في معاني المفردات الواضحة البدهية، فاختلف النحويون في تعريف " الاسم " إلى أكثر من سبعين قولا (?) ، واضطر كثير من الأصوليين إلى الاعتراف بعسر وضع حد لـ " للعلم " (?) وما ذلك إلا لأنهم حاولوا وضع تعريف للشيء من حيث هو هو، أو من حيث هو في ذاته كما يقولون.
وهكذا الحال في علم الكلام، الذي هو علم بدعي من أصله كما نص على ذلك أئمة الإسلام (?) .