وقد تجلى هذا الموقف الأصيل أعظم ما تجلى في موقف إمام السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، الذي حقق أعظم انتصار في التاريخ الفكري في الإسلام (?) وهو سجين أعزل، وما ذلك إلا لأنه يمثل منهج الوحي في مقابل الخرص والهوى والخرافة.

ولكن المنهج التوفيقي (?) - وهو منهج ابتليت به الأمة الإسلامية قديما وحديثا - عكر على هذا المنهج الحازم الحاسم مواقفه وأفسد كثيرا - في حين أراد إصلاحا وتوفيقا!

هذا المنهج - الذي انتهجه الأشاعرة والماتريدية - يرى إمكان الجمع بين الوحي والفلسفة، بين منهج القرآن ومنهج اليونان (?) ، والخروج بموقف أو رأي وسط بينهما أو مركب منهما!!

ويظهر ذلك بوضوح في تعامله مع نصوص الوحي كتابا وسنة؛ فهو يقرر جزما وجوب الأخذ ببعض الآيات والأحاديث على ظاهرها المجمع عليه المعروف عند السلف، في حين يقرر أيضا - على الدرجة نفسها من الجزم والإيجاب - تأويل بعضها الآخر بما لم ينقل عن السلف، بل قام إجماعهم على خلافه، ولا يتحرج أصحابه من ذكر الإجماع ومستنده النصي، ثم التصريح بمخالفته بقول يعلمون أنه منقول عن اليونان!!

وهذا المنهج - فوق أنه محكوم عليه شرعاً بالخطل والضلال - هو خطأ بيِّن بالفطرة العلمية المحضة؛ لأنه يقوم على غير معيار موضوعي متميز، وحسبك إقرار أصحابه قاطبة بأن التأويل ظني؛ ولهذا يختلفون فيه اختلافا شديداً حتى لا يكاد يجمعهم أحيانا إلا مخالفة دلالة النص التي يسمونها ظاهراً - وإن كان " نصاً " لا يقبل الاحتمال - وهذا ينطبق على نصوص الإيمان والقدر كنصوص من الصفات سواء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015