على أن هؤلاء ليسوا هم كل من اعتزل الفتنة، بل اعتزلها من هو أجل منهم مثل سعد بن أبي وقاص، فإنه لم يكن على ظهر الأرض يوم صفين أفضل منه سوى علي وسعيد بن زيد، أحد العشرة، وهنالك من هو مثلهم، كزيد بن ثابت، ومحمد بن مسلمة، وعبد الله بن مغفل رضي الله عنهم (?) .

ومنهم أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه، الذي صدع أيام الفتنة بين ابن الزبير والأمويين والخوارج: "إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطاً على أحياء قريش" الحديث، وذلك لأنه "كان يرى الانعزال في الفتنة وترك الدخول في كل شيء من قتال المسلمين" (?) .

وبالجملة، هذا هو مذهب أهل الحديث عامة، ومن تأمله ظهر له قوة دلائله النصية، وصدق نتائجه الواقعية، فقد صرح به إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل، وبنى عليه موقفه في رفض الخروج على الدولة العباسية (?) .

روى عنه الخلال أنه قال: ابن عمر وسعد ومن كف عن تلك الفتنة، أليس هو عند بعض الناس أحمد! هذا عليّ لم يضبط الناس، فكيف اليوم والناس على هذا الحال ... السيف لا يعجبني (?) .

وقال أبو بكر المروزي: سمعت أبا عبد الله - وقد ذكر عنده عبد الله بن مغفل - فقال: لم يتلبس بشيء من الفتن! وذكر رجل آخر فقال: رحمة الله مات مستورا قبل أن يبتلى بشيء من الدماء (?) .

وممن صح النقل عنه من أهل الحديث سفيان الثوري رحمه الله، وله كلمة عظيمة في هذا، قال: نأخذ بقول عمر رضي الله عنه في الجماعة، وبقول ابنه في الفرقة (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015