فقد ذهبت الفرق الضالة كل مذهب لتأتي بتعريف للإيمان كما تريد، فمنهم من صرف نظره عن نصوص الوحي كلها، ومنهم من أخذ بعضها وغلا فيه وتعسف في تأويل الباقي أو إنكاره، ومنهم من ظل حائرا متناقضا لا يستقر له قرار.
أما الجماعة - الذين هم الصحابة والتابعون لهم بإحسان - فما حادوا عن منهجهم المأمون قط، فكانوا إذا سئلوا عن الإيمان أجابوا بالوحي لا بالهوى، جوابا يراعى فيه حال السائل ومقام السؤال كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل.
فمرة يجيبون السائل بآية جامعة من كتاب الله تعالى، مثل جواب بعضهم بقوله تعالى:
«ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون» الآية (?) .
ومرة يجيبون بحديث كما أجاب النبي صلى الله عليه وسلم جبريل أو وفد عبد القيس (?) .
ومرة يعرفونه بفهم فهموه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال بعضهم: (الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله) (?) ونحو ذلك.
ومن الواضح أنه ليس في شيء من هذا تحديد مجرد للإيمان على المنهج المنطقي المتكلف.
وعندما اتسع الخلاف بين الفرق وانتقلت الأمة من البحث في أعمال الإيمان وفرائضه ليحققوه بكماله إلى البحث في ماهيته المجردة وحده المنطقي - ليتجادلوا فيها - ظهرت الحاجة إلى قول فصل وأصل جامع يعرف به الناس هذا المفهوم في كتاب ربهم وسنة نبيهم، فتواردت أذهان علماء الجماعة وتواطأت أقوالهم وتواترت