أما ما تعتقده المرجئة من التفريق بين الإيمان والعمل، وإثبات الإيمان كاملا في القلب مع وقوع عمل الجوارح على خلافه (?) ، فهو فصل اعتباطي للحقيقة النفسية الواحدة، يجعل أحد شقيها ذاهبا ذات اليمين والآخر ذاهبا ذات الشمال في وقت واحد، وهو ما لا يقع أبدا، بل هذا الفصل يشبه من الناحية العضوية فصل القلب عن الجسد وفصل الطاقة عن الحركة.

حقيقة الأمر أن المرجئة تعتبر الإيمان قضية ذهنية مجردة - تسمها تصديقا أو معرفة - تعلق هذه القضية بالقلب كمادة جامدة ومعزولة لا تزيد ولا تنقص، توجد كاملة أو تذهب كاملة، ولا تستلزم أي أثر في الوجدان والشعور أو الحركة والكدح، بل هي مثل أي معلومة رياضية أو مقولة فلسفية!!

وهي حين تعتقد ذلك يغيب عنها حقيقة بالغة الأهمية، وهي كيف إذن يفسر العمل الإنساني الدائب الذي لا يتوقف إلا لحظة الموت؟ ما مصدره؟ ما طاقته؟ ما دوافعه إن لم يكن الإيمان؟ أياً كان هذا الإيمان!!

حقا لقد جهدت كثيرا لكي أعثر على وجهة نظر القوم في هذه القضية الكبرى بلسان مقالهم لا بلسان حالهم، وتساءلت أيستطيع هؤلاء أن يلتزموا القول بأن المؤمن - على زعمهم - مصاب بانفصام الشخصية؛ فهو يعتقد غير ما يعمل، ويعمل غير ما يعتقد (?) ؟!

وكيف يجيبون على كثير من الأسئلة البدهية التي يفجؤهم بها مناظرهم قبل الدخول في تفصيلات النقاش العلمي والخوض الجدلي مثل:

كيف يمتلئ القلب بالحب وتعمل الجوارح أعمالا كلها عداء وانتقام؟!

وكيف يمتلئ القلب بالرحمة وتعمل الجوارح أعمالا كلها غلط وفظاظة؟!

وكيف يمتلئ القلب بالتصديق وتعمل الجوارح أعمالا كلها تكذيب وإعراض؟!

وكيف يمتلئ القلب بالتقوى وتعمل الجوارح أعمالا كلها فجور وآثام (?) ؟ .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015